المادة    
  1. البشارة بمجيء صاحب الجمل وسقوط بابل على يديه

    قال شيخ الإسلام رحمه الله: "وقالوا في نبوة أشعياء: قال أشعياء: فقيل لي قم نظاراً فانظر ماذا ترى؟ فقلت: أرى راكبين مقبلين: أحدهما على حمار، والآخر على جمل، يقول أحدهما لصاحبه: سقطت بابل وأصحابها للمنحر"، وأشعياء كان قبل المسيح عليه السلام.
    قال شيخ الإسلام رحمه الله: " قالوا: فراكب الحمار هو المسيح، وراكب الجمل هو محمد صلى الله عليه وسلم، وهو أشهر بركوب الجمل من المسيح بركوب الحمار"، يعني أن المسيح عليه السلام لم يشتهر شهرة واضحة بركوب الحمار، لكن ارتباط الجمل بالمسلمين وبمحمد صلى الله عليه وسلم واضح جداً؛ فإنه صلى الله عليه وسلم كان في غزواته وأسفاره هو وأصحابه يركبون الجمال؛ فصاحب الجمل لا يصح أن يفسر بأحد من الأنبياء غيره صلى الله عليه وسلم.
    قال: "وبمحمد صلى الله عليه وسلم سقطت بابل "، وذكرى بابل عند أهل الكتاب مؤلمة جداً؛ لأن ملك المجوس سبى اليهود، وأسرهم واستاقهم إلى بابل، وهي إلى الآن من أشهر و أقدم الآثار في العالم كله، وقد ذكرها الله تعالى في القرآن في قصة الملكين، قال تعالى: ((يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ))[البقرة:102]، فصارت موطن السحر، وإذا اجتمع اليهود والمجوس في مكان، فإن ذلك المكان يكون موطن السحر والشرك والشعوذة، وهذا معروف منذ القدم، وهكذا أصبحت بابل معروفة بذلك؛ لأن الملكين أنزلا فيها، ثم إن اليهود ورثوا ذلك السحر عن أهلها.
    والسبي البابلي مرتبط في أذهان اليهود بالذلة؛ فكأن بابل رمز للقهر والغصب؛ فإذا سقطت بابل فكأن الشر انتهى من العالم.
    والذي أسقط الله له بابل هو محمد صلى الله عليه وسلم؛ فإن المسيح عليه السلام لم يخرج من حدود فلسطين، حيث كانت دعوته؛ فلم يجاهد قط، ولكن جيوش الإسلام هي التي فتحت بابل، وقضي على كبرياء المجوس إلى الأبد بفتح البيت الأبيض الذي دخله المسلمون، وانتهت أسطورة الرمز البغيض والكريه؛ رمز الحقد والعداوة لأهل الكتاب.
    (يقول أحدهما لصاحبه: سقطت بابل وأصحابها للمنحر)، أي: للنحر، بمعنى الذبح، أو للمنخر بمعنى: أنها سقطت حتى تمرغ منخرها بالتراب.
    فالذي أسقط بابل هو محمد صلى الله عليه وسلم، وهو راكب الجمل.
    قال: "ولما كان المسيح عليه السلام نازلاً في أمة محمد صلى الله عليه وسلم، صار بينه وبين محمد من الاتصال ما ليس بينه وبين غير محمد صلى الله عليه وسلم"، وهذه مناسبة لطيفة في اقتران محمد صلى الله عليه وسلم وعيسى عليه السلام في بشارة أشعياء؛ فإنه سبحانه أرى أشعياء محمداً وعيسى صلوات الله وسلامه عليهما معاً؛ لما بينهما من المناسبة والاتصال؛ لأن عيسى عليه السلام سينزل في آخر الزمان في أمة محمد صلى الله عليه وسلم حكماً عدلاً، يحكم بشريعة محمد صلى الله عليه وسلم، ويكسر الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية، فلا يقبل إلا الإسلام أو السيف، فهناك تناسب بينهما.
    قال: "ولهذا قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: {إن أولى الناس بابن مريم لأنا؛ إنه ليس بيني وبينه نبي}"، ولذلك بينهما من القرابة مثل ما بينهما من القرب.
    قال: "وروي: {كيف تهلك أمة أنا في أولها وعيسى في آخرها}، وهذا مما يظهر به مناسبة اقترانهما فيما رواه أشعياء حيث قال: (راكب الحمار وراكب الجمل)".