المادة    
ثم قال شيخ الإسلام: "وبشارات التوراة قد تقدمت بـجبل الطور، وبشارة الإنجيل بـجبل ساعير . ومثل هذا ما نقل عن نبوة حبقوق أنه قال: جاء الله من (التيمن)، وظهر القدس على جبال فاران، وامتلأت الأرض من تحميد (أحمد)، وملك بيمينه رقاب الأمم، وأنارت الأرض بنوره، وحملت خيله في البحر".
قوله: (وحملت خيله في البحر). أما المسيح عليه السلام، فمعلوم قطعاً أنه لم يجاهد، وإنما رفعه الله سبحانه وتعالى إليه وهو ما يزال في طور الدعوة، ولم تكن له أمة يجاهد بها.
وأما موسى عليه السلام، فإنه لما خرج من مصر، وأمره الله أن يقاتل العمالقة، وفعل قومه ما فعلوا وقالوا: ((فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا))[المائدة:24]، حصل لهم التيه أربعين سنة، ثم بعد ذلك دخل غلامه بعد وفاته عليه السلام إلى القدس، ولم يعلم لهم جهاد في البحر؛ ولكن الأمة التي جاهدت في البحر هي أمة محمد صلى الله عليه وسلم، وهو الذي حملت خيله في البحر.
وهذا أمر عجيب جداً! فإن البحر لم تعرفه العرب في حياتها، وكان ما لا يمكن أن يغامر به الإنسان العربي هو أن يركب البحر، ولكن لما جاء الإسلام وفرض الجهاد، وذكر النبي صلى الله عليه وسلم فضل المجاهدين في البحر، فجعل لشهيد البحر من الأجر ضعف أجر شهيد البر؛ استطاع المسلمون في سنوات معدودة أن يبنوا أكبر الأساطيل التي تبحر من مصر إلى القسطنطينية، وإلى الأندلس، أما الأساطيل التجارية فحدث ولا حرج، فقد جابت العالم كله.
وذكر الخيل إشارة إلى مثل ما في قصة عقبة بن نافع العجيبة، حين خاض بفرسه البحر، وقال: والله لو أعلم أن خلفك أرضاً تبلغها الخيل لخضتك بفرسي حتى أبلغها، وكذلك العلاء بن الحضرمي؛ فالمقصود أن خيلهم خاضت البحر في سبيل الله، وقد فتحت قبرص في حياة الصحابة، وكانت أم حرام بنت ملحان رضي الله عنها معهم.