المادة    
أما الأناجيل: فإن الله سبحانه وتعالى لما أرسل عيسى عليه السلام أنزل عليه الإنجيل، وهو كلام الله سبحانه وتعالى وليس كلام عيسى قطعاً، ولكن النصارى تعرضوا لما تعرض له اليهود من التحريف، وإن كان الذي تولى التحريف لدين النصارى هم اليهود، والذي تولى ذلك هو بولس ويسمى: شاؤول، لكنه سمى نفسه بولس، والذي يزعمون أنه الرسول، وكل العالم النصراني اليوم -تقريباً- على دين بولس، وقد ظهر في القرن الثامن عشر كاتب إنجليزي كان جريئاً، وقد كفرته الكنيسة والباباوات، فألف كتاباً سماه: يسوع لابولس، يقول فيه: يجب أن نعيد النظر وأن نتبع يسوع ولا نتبع بولس. وغيره كثير ممن أثبتوا أن هذه الأسفار الموجودة من كلام بولس، وأنها على غير العقيدة والشريعة، ونحن نذكر أمثلة على هذه التحريفات:
فهل يمكن أن يكون في الإنجيل أن الله ثالث ثلاثة؟! تعالى الله عن ذلك! قال تعالى: (( مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ)[آل عمران:79]، فلا يمكن أن يقع هذا !! ولهذا ذكر الله تعالى ذلك في سورة آل عمران في الرد على نصارى نجران، وأن عيسى عليه السلام لا يمكن أن يقول: (إني ابن الله) أبداً، وقد وردت عبارات في الأناجيل أنه (ابن الله)، ووردت عبارات أنه (ابن الإنسان)، ووردت عبارات: (أبناء الله).
وعندما اجتمع السادات مع كارتر وريجن ومجموعته في كامب ديفيد -أي: معسكر داود- جعلوا فقرة من الإنجيل المحرف شعارهم: "طوبى لصانعي السلام، فإنهم أبناء الله يدعون"، أي: الذين صنعوا السلام طوبى لهم؛ لأنهم يسمون أبناء الله، إذاً كل البشر -ومنهم ريجن وكارتر والسادات - أبناء الله، فإذا كان كل ما أضيف إلى الله من البنوة معناه ما تعتقدون في عيسى، فكل الخلق أبناء الله!
فالمقصود: أن هؤلاء قوم ليست لهم عقول، وإنما يأخذون دينهم بلا عقل، ولا يمكن أن يكون ذلك في الإنجيل الذي أنزله الله تعالى قطعاً.
  1. بعض الأحكام المحرفة عند أهل الكتاب

    وكذلك حرفوا الشريعة، فمثلاً: من التشريعات التي حرفوها: تحريم التماثيل. وهذا الأمر له علاقة بالعقيدة، فإن جميع ما أنزل الله سبحانه وتعالى من الكتب على الرسل تدعو الناس إلى تحريم صناعة التماثيل وتعظيمها؛ لأنها أصل عبادة الأصنام، وأولهم قوم نوح عليه السلام، فإن قومه صوروا وداً وسواعاً ويغوث ويعوق ونسراً في أول الأمر ليتذكروهم؛ فآل بهم الأمر إلى أن عبدوهم، فحرم الله تبارك وتعالى التصوير، وإبراهيم عليه السلام هو الذي حطم الأصنام وجعلها جذاذاً، وقد جاء التحريم أيضاً في التوراة، ففيها: "لا تكونوا كالوثنيين، ولا تصنعوا تمثالاً، ولا تعبدوا حجراً، ولا ترسموا صورة"، ومثله في الإنجيل، ولكن جاء بولس فأباح لهم التماثيل، حتى أصبحت كل كنيسة في العالم، وكل ميدان من الميادين العامة في المدن ونحوها، فيها صورة للمسيح، وصورة لأمه، وصورة للملائكة، وأشد من ذلك -والعياذ بالله- أنهم يأتون بصورة رجل كبير في السن، وبجانبه مريم والمسيح، ويقولون: هذه مريم، وهذا عيسى، وهذا الله، تعالى الله عما يصفون! فهل يعقل أن يكون هذا الكلام في كتاب الله وأن يكون الله أنزله ؟! ومع ذلك يقولون: هذا هو الإنجيل، وهذا هو كتاب الله، وهذا الكلام كلامه تعالى!!
    ومن ضمن ما غير بولس في شريعة النصارى: الختان الذي هو سنة إبراهيم عليه السلام، فقد اختتن إبراهيم عليه السلام، وجعل ذلك سنة لبنيه من بعده: (( وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ)[العنكبوت:27]، فكل الأنبياء من بعده هم من ذريته عليه الصلاة والسلام، فجاء بولس فحرم الختان، ولهذا فإن النصارى يبقون غرلاً (قلفاً) غير مختونين. وكذلك أحل لهم أكل الميتة والنجاسات وقد كان محرماً في الإنجيل.
    وهدى الله أمة الإسلام في ذلك كله: ((فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ))[البقرة:213]، فمن أعظم نعم الله تعالى على أمة الإسلام: أن هداهم لما اختلف فيه اليهود والنصارى من الحق، ومن ذلك ما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم: {نحن الآخرون الأولون يوم القيامة..}، فقد ضلَّ اليهود والنصارى عن يوم الجمعة، فجعلته اليهود السبت، وجعلته النصارى الأحد، وهدى الله تعالى هذه الأمة لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه، فهداهم إلى يوم الجمعة.
    وفي مسائل الشريعة والعبادة نجد العجب العجاب! فصوم اليهود -وهو سبتهم- أن يترك الفرد بعض الأشياء، فلا يركب السيارة أو الدابة مثلاً ويظن أن هذه هي العبادة. وصيام النصارى هو عدم أكلهم ما كان فيه دهن أو ما كان من ذي روح.
    وكذلك وضعوا تشريعات من عندهم في الطهارة، فمن دين اليهود: التشدد في التحرز من النجاسة، فإذا وقعت النجاسة على أحدهم فإنه يقص ما وقعت عليه النجاسة، وأما النصارى فإنهم يتساهلون تساهلاً شديداً؛ فإن الواحد منهم لا يغتسل من الجنابة ولا يتطهر من الخبث، ثم يدخل الكنيسة فيتعبد ويترهب وهو بهذه القذارة والنجاسة والعياذ بالله! وهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق في الطهارة، وفي الاختتان، وفي خصال الفطرة جميعاً، وفي كل شيءٍ، والحمد لله رب العالمين.
  2. سبب اختيار النصارى لبعض الأناجيل دون بعض

    وهناك إنجيل لا يعترفون به جميعاً وهو إنجيل برنابا؛ لأن فيه التصريح بأن الله واحد، وأن عيسى رسول الله وليس ابن الله، وأن الله سبحانه وتعالى سوف يبعث محمداً صلى الله عليه وسلم، ويجب عليكم أن تؤمنوا به، ولكنهم لا يؤمنون به مع أنه موجود إلى اليوم في مكتبة الفاتيكان في روما وفي غيرها من المكتبات، وهو مكتوب ومحفوظ يتوارثونه، وليس للمسلمين فيه يد، وهم يعترفون بوجود برنابا وأنه من الحواريين، ولكنهم لا يعترفون بكتابه ولا يقرءونه.
    إذاً: لماذا اختاروا من أناجيلهم السبعين أو أكثر أربعة أناجيل فقط؟ وكيف اختاروا هذه الأربعة الموجودة الآن فيما يسمى بالعهد الجديد، التي هي: إنجيل متى ولوقا ومرقص ويوحنا ؟
    الجواب: لأنهم عندما اجتمعوا في مجمع نيقيا عام (325) بعدما تنصر قسطنطين أجروا مناظرة، وكانت كل طائفة لها دين، وكانوا حوالي ألف وخمسمائة، فتناظروا وتجادلوا طويلاً فكان منهم ثلاثمائة وثمانية عشر فقط هم الذين قالوا: إن المسيح ابن الله، فمال إليهم الإمبراطور وقلدهم السيف، أي: أعطاهم سيفه، وقال: أنا منكم وأنا معكم، وأظهرهم على الباقين، فاختار هؤلاء الذين يعتقدون بأن عيسى عليه السلام ابن الله، اختاروا من الأناجيل ما يؤيد عقيدتهم وكلامهم، ثم أصدروا أوامر بإلغاء الباقي وإحراقها ومنعها، فمنعت وألغيت.
    لكن احتفظت كل فرقة بإنجيلها، ثم لما جاء العصر الحديث جمعت المخطوطات والكتب، وأصبحت المكتبات تحوي أنواعاً كثيرة من هذه الأناجيل، وفي أحد هذه الأناجيل يقول: "لما كان كثيرون قد قاموا بتأليف كتب فيما وجدوه عن الكلمة، مما روي أو نقل عن الكلمة -يعني: المسيح عليه السلام- رأيت أنا أيها العزيز ثاوفيلوس أن أنقل إليك كما سمعت وكما حدثت"، وتاوفيلوس تاجر يوناني كان في مصر، فيقول له: لقد رأيت كل واحد من الناس أخذ يكتب عن المسيح، فهذا يؤلف فيما سمع ويقول: قصة المسيح في الخليل، وهذه قصة المسيح في السامرة، وهذه قصته في كذا، فكل واحد كتب ما بلغه، وأنا سأكتب ما بلغني.
    فالإنجيل نفسه ليس من كلام الله، ولم يقل كاتبه: هذا أوحاه الله إلي، أما اليوم فلو قابلت أي نصراني لقال لك: هذه الأناجيل وحي من الله، ويزعمون أن الله سبحانه وتعالى قد أرسل رسلاً، وهم عندما يقولون: (الله) يعنون به (يسوع) فيقولون: إنه أرسل رسلاً ومنهم بولس وغيره، وعددهم مائة وعشرون رسولاً، وهؤلاء الرسل هم الذين ألفوا هذه الأناجيل أو هذه الرسائل.
    إذاً: فهم يعتقدون أنها وحي من عند الله، ثم إذا أراد النصارى أن ينفوا التناقض ويدرءوا التعارض بين الأناجيل، جاءوا بالعجب العجاب! وهي أشياء واضحة وصريحة في التناقض، فمثلاً: يذكرون في بعض الأناجيل أن بين داود وعيسى عليهما السلام أربعين جيلاً، وفي بعض الأناجيل أن بينهما خمسة وعشرين، وهذا فرق عظيم، فهذه أقوال يكذب بعضها بعضاً، ومع هذا يقولون: إن هذا وحي وهذا وحي، وعليك أن تصدق وتوقن وتؤمن بها، ثم بعد ذلك فكر، لكن أن تفكر في الشيء قبل أن تؤمن به فلا يصح إيمانك، وهكذا غيروا في دينهم بما لا يسعنا تفصيله، لكن نقول: إن التوراة والإنجيل الموجودان اليوم محرفان؛ فلا نؤمن بأن هذه الكلمة أو هذه الجملة أو هذه الآية بمفردها وبعينها مما أنزله الله تعالى ولا نقطع بذلك، بل نقول: إن هذا الكتاب أنزله الله، ونحن نؤمن به، أما ما في أيديكم فقد غُيِّر وبُدِّل، أعني: نؤمن بها في الجملة.
  3. موقفنا مما في التوراة والإنجيل

    وقد ذكر الله سبحانه وتعالى في آيات من القرآن وكذلك النبي صلى الله عليه وسلم في السنة الصحيحة أشياء موجودة في التوراة، فنحن نؤمن بها لصحتها عن الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وليس لمجرد أن اليهود ذكروها، ومن ذلك: منها قوله تعالى: (( وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنفَ بِالأَنفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ)[المائدة:45] إلخ، فعلينا أن نؤمن بأن هذا من أحكام التوراة، وكذلك قوله تعالى: ((كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ))[آل عمران:93]، فنحن مؤمنون بأن الطعام كان في التوراة حلال كله، وأن ما حُرم على بني إسرائيل فهو بسبب الذنوب التي ارتكبوها.
    وقد ذكر الله سبحانه وتعالى أن حد الرجم موجود في التوراة، قال تعالى: ((وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ))[المائدة:43]، ولما طلب النبي صلى الله عليه وسلم من أحبارهم أن يأتوا بالتوراة، فلما جاءوا بها وضع كبيرهم يده على آية الرجم.. فنحن نؤمن بأن الرجم موجود فيها.. وهكذا، وكذلك أيضاً نعلم أن صفة النبي صلى الله عليه وسلم مذكورة في التوراة؛ لأن الله تعالى ذكر ذلك فقال: (( النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ)[الأعراف:157]، ومن ذلك في السنة: (يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيراً وحرزاً للأميين ... إلخ) كما في حديث عبد الله بن عمرو.
    فأي شيء يذكر في القرآن أو تصح السنة بأنه في التوراة أو في الإنجيل، فنؤمن به؛ لأن الله سبحانه وتعالى ذكره، وأما ما عدا ذلك فلا نذكره إلا رواية عنهم، أي: ننسبه إليهم، فإن كان موافقاً للقرآن فما عندنا من القرآن يغني عنه، وإن كان مخالفاً له، فنعلم قطعاً أنه مما دخله التحريف، أو النسخ إن كان في الأحكام، فلا يلزم في الأحكام أن تكون محرفة، فقد تكون منسوخة بالنسبة لنا، وقد تكون أيضاً مما حرف، فإن كان مما يتعلق بالأخبار فلا بد أن أحد الخبرين كذب، والله سبحانه وتعالى لا يُنزل إلا الحق: (( وَبِالْحَقِّ أَنزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ)[الإسراء:105]، ولا يمكن أن ينزل الله تعالى الباطل، فإذا ما وجدنا نصاً في التوراة يخالف ما في القرآن؛ علمنا أن ما في التوراة محرف، وكذلك الإنجيل، ولا يمكن أن يتعارض خبران، فبهذا نعلم أن ذلك من تغيير الأحبار والرهبان، ومما كتبوه بأيديهم ونسبوه إلى الله سبحانه وتعالى، أو زادوا فيه أو نقصوا منه فتغير عن وجهه وعن حقيقته. وكذلك مزامير داود، وهي جزء مما في التوراة.
  4. موقفنا من الزبور

    أما الزبور الذي يقولون عنه: إنه الذي أُنزل على داود عليه السلام، فهو كتاب فيه مواعظ، ولا ندري من أين أتوا بها! والأشبه والله تعالى أعلم أنها من وضع الصوفية والوعاظ والقصاص، فهم الذين وضعوا هذه الكتب، ووضعوا أيضاً صحف إبراهيم التي رووها بأحاديث موضوعة، كما هو مذكور في كتب الموضوعات.
    والزبور كما يبدو أنه من وضع الوعاظ أو القصاص، ويكونون من وعاظ اليهود؛ والمهم أن نسبته إلى الله لا تصح، وأنه باطل في نسبته، أما المزامير التي في التوراة، فهي عبارة عن أدعية وتضرعات وابتهالات ينسبون إلى داود عليه السلام أنه كان يتضرع بها، وكان يعبد ربه ويدعوه بها، وقد يكون بينها تشابه في العبارات ؛ لكن المزامير غير الزبور، ونحن نؤمن بأن الله أنزل الزبور على داود، وأن الزبور مفقود لا وجود له.
    فإذا نسبنا شيئاً مما في التوراة فنقول: ذكر في التوراة عن داود كذا، والتوراة محرفة، فننسبه إليها ولا نقوله معتقدين صدقه، بل نعزوه إلى التوراة، واليهود أنفسهم لا يعترفون به.
    وكذلك الروافض عندهم صحف ينسبونها إلى الله، مثل الصحيفة السجادية وغيرها، ويقولون: هذه من عند الله.