والدليل على هذه الشفاعة، وعلى أن من أهل الكبائر من يستحق دخول النار ولكن النبي صلى الله عليه وسلم يشفع له فلا يدخلها هو الحديث الصحيح من طرق عدة: ( شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي )، وليس المقصود أن غيرهم لا شفاعة لهم، لكن هم أحق الناس بها، فأهل الشرك لا تنالهم الشفاعة مطلقاً، كما قال تعالى: (( وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى ))[الأنبياء:28]، ولا يرضى الله تبارك وتعالى أن يشفع للمشركين، فلا يشفع فيهم أحد، وأما الصغائر فمغفورة إن شاء الله تعالى، فيبقى من هو أحوج إلى هذه الشفاعة، وهم أهل الكبائر؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الآخر: ( لكل نبي دعوة مستجابة ) وهذا فضل وكرم من الله تبارك وتعالى أنه جعل لكل نبي دعوة مستجابة، وهم أحق الناس وأولى الناس بأن يكرمهم الله على ما قاموا به من البيان والدعوة والصبر والهداية للعالمين، فجعل الله تعالى لكل نبي دعوة مستجابة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( فتعجل كل نبي دعوته، وإني اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة ) وهذا من كمال شفقته صلى الله عليه وسلم، وهو من كرم الله عز وجل ومن إكرامه لهذه الأمة مع إكرامه لنبيها صلى الله عليه وسلم فادخر صلى الله عليه وسلم دعوته لأمته إلى يوم القيامة ليشفع لأهل الكبائر، قال: ( فهي نائلة -إن شاء الله- من مات من أمتي لا يشرك بالله شيئاً ).
وهذا يبشر بأن ما دون الشرك مشفع فيه، وأعظم الذنوب دون الشرك هي الكبائر؛ لأن الذنوب على ثلاث مراتب: إما الشرك، وإما الكبائر، وإما الصغائر.
فهذه الشفاعة يجعلها الله سبحانه وتعالى ويعطيها لنبيه صلى الله عليه وسلم، فيكون من عظيم فضله على هذه الأمة؛ فلذلك يكون الذي تناله هذه الشفاعة ممن استحق دخول النار ومع ذلك لا يدخلها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم يشفع له.
فحديث: ( لكل نبي دعوة مستجابة )، وحديث ( شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي ) يدلان على هذا النوع من أنواع الشفاعة التي تدل على ما أورده الشارح رحمه الله تعالى في هذه الفقرة.
وأما شفاعته لأهل الجنة فليس هذا موضعها، سواءٌ شفاعته لهم في أن يدخلوها، أو شفاعته في رفع درجاتهم، فنحن نتكلم عمن يستحق الوعيد ومن كان يستحق دخول النار؛ فخرج بذلك الجهنميون، فالمقصود هم أهل الكبائر الذين يستحقون دخول النار ولكنهم لا يدخلونها استجابة لشفاعته صلى الله عليه وسلم، أما من تساوت حسناتهم وسيئاتهم فهؤلاء لا نجزم بأنهم من أهل الوعيد.
فموضوع البحث هو مانع إنفاذ الوعيد، كما قال الشارح رحمه الله تعالى: (فإن فاعل السيئات يسقط عنه عقوبة جهنم بنحو عشرة أسباب عرفت بالاستقراء من الكتاب والسنة)، يعني أن مرتكب الكبائر والخطايا والذنوب تسقط عنه عقوبة جهنم، فلا يدخل النار بنحو عشرة أسباب عرفت بالاستقراء من الكتاب والسنة، وهذه العشرة التي أوصلها إلى أحد عشر سبباً كلها فيمن كان مستحقاً لدخول النار ولكن لم ينفذ فيه هذا الوعيد.