المادة    
فإيماننا بالكتب يعني أننا نؤمن بأن الله سبحانه وتعالى أنزلها على رسله، وأنها كانت آيات بينات قامت بها الحجة على من أنزلت إليهم، وأن من أنزلت إليهم كانوا ملزمين باتباعها، ونحن الآن نؤمن بشيئين:
أولاً: أننا لسنا ملزمين باتباع ما فيها من أحكام في التشريع؛ لأن شرائعها غير شريعتنا، وإن كانت تتحد في الدعوة إلى التوحيد وعبادة الله.
ثانياً: أن التحريف والتبديل قد دخلها، فهي إما مفقودة أو محرفة، فمثلاً: صحف إبراهيم عليه السلام ليس لها وجود اليوم، بل هي مفقودة، ولكننا نؤمن بأن الله أنزلها على إبراهيم عليه السلام، وأنها آيات وعبر، كما ذكر الله تبارك وتعالى.
  1. الزبور الذي يباع في الأسواق لا يعلم أصله

    أما الزبور فإنه كان يباع في الأسواق، وكله عبر وقصص ومواعظ، وكانوا يقولون: هذا هو الزبور الذي أنزله الله على داود، ويصدق عليهم قول الله: ((مَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ))[الزخرف:20]، ومع الأسف فإنه يطبع في بعض البلاد ويوزع على أنه الزبور، ولا أدري كيف يسمح لأحد بأن ينسب إلى الله تبارك وتعالى كلاماً أو كتاباً على غير بينة، وبغير برهان! وأسوأ من ذلك: أن يأتي بعض خطباء الجمعة ويأخذون منه، وقد سمعت بنفسي خطيباً يخطب ويقول:
    قال الله تعالى كذا ... ويأتي بأدلة من هذا الكتاب، فسبحان الله العظيم كيف آمن به؟! أولم يكفهم القرآن الكريم حتى عدلوا إلى ما لا يعلم ثبوته؟!
  2. أسفار التوراة المحرفة والكتاب المقدس

    أما ما يوجد ضمن أسفار التوراة المحرفة، مما هو منسوب إلى داود عليه السلام، ويسمى بالمزامير، أي: مزامير داود، فهذا يأخذ حكم التوراة، وسنتكلم عنه إن شاء الله تعالى.
    وعند النصارى الكتاب المقدس: وهو عبارة عن كتاب ضخم يحتوي على تسعة وثلاثين سفراً -على أكثر الطبعات رواجاً- وتسمى أسفار العهد القديم، ومنها الخمسة الأسفار التي يقال: إن الله تعالى أنزلها على موسى، والباقي أربعة وثلاثون سفراً فيها أخبار الملوك والقضاة، ومزامير داود وأخبار سليمان وأشعيا وأرميا... إلخ، ثم بعد ذلك العهد الجديد، والعهد الجديد: هو الأناجيل الأربعة، والله تعالى لم ينزل أربعة أناجيل وإنما أنزل إنجيلاً واحداً، ولكن الموجود الآن أربعة. ثم الرسائل وفيها أعمال الرسل، ورسائل بولس الذي حرف دين المسيح عليه السلام، والمجموع الكلي لذلك يسمى: الكتاب المقدس.
    وقد وقع اختلاف كبير بين اليهود والنصارى، فاليهود منهم من لا يؤمن إلا بالأسفار الخمسة فقط التي منها سفر التكوين وسفر التثنية، وأما بقية الأسفار الأربعة والثلاثين، والأناجيل بمجموع ما يسمى الكتاب المقدس فلا يؤمنون بها، وهناك من اليهود -الذين هم الأكثر وجوداً الآن في العالم- من يضيف إلى الخمسة بقية الأسفار، هذا من ناحية العدد.
    أما من ناحية المضمون: فالتوراة السامرية، نسبة إلى أتباع السامري المذكور في القرآن، ويطلق السامرة على الجزء الأكبر مما نسميه اليوم: بـالضفة الغربية، وهم يقولون: إن التوراة السامرية مضمونها وأسفارها تخالف ما عليه الأسفار الأخرى.
  3. الأدلة على تحريف التوراة

    ولكل فرقة من فرق اليهود رأي وتبديل وتحريف، فغيروا وبدلوا في كتاب الله سبحانه وتعالى، فحصل التحريف عندهم من جهة العدد -النقص والزيادة- وأيضاً من جهة التغيير والتبديل، فمثلاً: الأسفار الخمسة التي يقولون: إن الله سبحانه وتعالى أنزلها على موسى؛ من قرأها يعلم أنها لا يمكن أن تكون من كلام الله، ولا أن تكون الكتاب الذي أُنزل على موسى، وقد يكون فيها شيء مما يظهر للقارئ أنه حق؛ وذلك لأن القرآن صدقه، ولكن الكثير والغالب فيها يدل على أن ما فيها باطل أو محرف، فمثلاً: ما يتعلق بصفات الله سبحانه وتعالى، فإن سفر التكوين قد أنه وصف الله عز وجل بالجهل بالعواقب؛ ووصفوه بذلك لأنه -كما يقولون- لما خلق آدم وحواء وحذرهما من الأكل من الشجرة، خرج يتمشى في الجنة ولم يجد آدم وحواء، فسألهما: أين أنتما ؟ فقالا: نحن عريانان، فقال: كيف عرفتما أنكما عريانان ؟ هل أكلتما من شجرة معرفة الخير والشر؟ ومضمون هذا: أنه كان لا يدري بذلك، فهذا كلامهم عن الله. تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً! وهكذا يوجد في مواضع كثيرة من التوراة وصف الله سبحانه وتعالى بالنقائص، ومن ذلك دعواهم أن الله سبحانه وتعالى لما رأى أن الإنسان كثر شره، ندم على خلقه، تعالى الله عما يقولون! ومقصودهم: أن الله لا يعلم أن الشر سيقع، وأنه بعد ذلك عاجز عن إزالة ذلك الشر، وكل ذلك من الباطل الذي يدل على أن هذا لا يمكن أن يكون كلام رب العالمين. ثم ما حصل فيها في حق الأنبياء من تحريف وتهم عظيمة لا يمكن أن تُقر، فمثلاً: يتهمون نوحاً عليه السلام بتهم شنيعة، ومن ذلك: أنه كان فلاحاً، وأنه زرع الكروم وشرب الخمر، وسكر وتعرى، عياذاً بالله مما يقولون! وأنه حينما تعرى رآه أبناؤه فضحكوا وسخروا منه، ورآه ابنه حام، وبعد ذلك جاء ابناه الآخران سام ويافث، فأخذا قماشاً وسترا عورة أبيهما، ولم ينظرا إليها! فلما أفاق نوح وعرف القصة قال: ملعون كنعان !! ويقصدون بكنعان: العرب، ولذلك يقوم اليهود الآن بتعليم الأمريكيين والأوربيين وغيرهم من النصارى من خلال ما في هذا الكتاب الذي يؤمنون به جميعاً: أن العرب ملعونون، وأن الجنس العربي نجس! واليهود هم الذين نسبوا هذه الافتراءات وهذا البهتان إلى نوح عليه السلام، ولم يتورعوا عن ذلك، ويقولون: إن كنعان قد لعنه نوح، وهؤلاء العرب هم ذرية كنعان، فهم إذاً الأمة الملعونة، مع أن كنعان ليس له علاقة بالموضوع أصلاً، فلم ير عورة أبيه، ولا اطلع على قصتهم، لكن التهمة والجريمة والعقوبة كلها انحصرت في كنعان.
  4. الحقد اليهودي على الجنس العربي

    وبناء على ما مر يقولون بعد مواضع: إن الله أوصى إلى موسى: أن عليك أن تحتل الأرض من الكنعانيين وتطردهم؛ لأنهم من الشعوب الملعونة. وقد كان يسكنها العمالقة، وكانوا من العرب الذين يسكنون فلسطين قبل أن يأمر الله سبحانه وتعالى موسى عليه السلام بأن يدخلها.
    ونحن لا نتعصب لا للكنعانيين ولا للعمالقة ولا لأحد، فمن كان منهم مشركاً فموقفنا منه معروف، ولكن لننظر كيف يفتعل اليهود المجرمون هذه القصص ويقولون: هذا من عند الله، وما هو من عند الله، ويأتون بمثل هذه الحكايات بغرض أن يستجلبوا عداوة اليهود وعداوة غيرهم من الشعوب للعرب، لإثبات أن أرض الميعاد أرضهم، وهي أرض فلسطين، بل أرض الشام عموماً من الفرات إلى النيل .
    كما يزعمون أن الله تعالى قال لإبراهيم: "لنسلك أعطي هذه الأرض من النيل إلى النهر الكبير نهر الفرات " ومع أن من نسل إبراهيم محمداً صلى الله عليه وسلم وأمته، فإن اليهود يجعلون كل ما فيه تشريف أو تكريم منحصراً فيهم، وكل ما فيه عيب وهمز ولوم وذم وطعن ومنقصة، جعلوه في الشعوب الأخرى، من الكنعانيين، والعرب، والفلسطينيين، والمصريين، والعمونيين (أهل عمان) وغيرهم، فلا تكاد تقرأ موضعاً في التوراة إلا وفيه السب والشتم -كما يقول مصطفى محمود- على أهل مصر، أو على الفلسطينيين؛ لأن الفراعنة كانوا في مصر، والفلسطينيون هم الكنعانيون، وهم الذين كانوا في الأرض التي دخلها اليهود، وهكذا، وبهذا يتبين لنا أن التوراة محرفة.
  5. سخافات تدل على التحريف في التوراة والإنجيل

    وفي آخر التوراة يقول الكاتب ما معناه: "ولما أراد موسى أن يموت أمره ربه أن يصعد إلى الجبل، وهناك يقول له الرب: أنت ستموت هنا، قال: ومات موسى وكان عمره مائة وعشرين سنة، ولم يسقط له سن ولم تشب له شعرة، ثم جاء بنو إسرائيل ودفنوه، وقبره هناك، ولم يعرف أحد قبره إلى اليوم، ولم يأتِ بعده نبي إلى اليوم".
    فهل يعقل أن يكون هذا كلام رب العالمين أنزله على موسى؟!
    كيف ينزل على موسى أنه مات، وأن عمره كذا، وأن قبره هناك، وأنه لن يأتي بعده أفضل منه؟
    ولو كانت لديهم عقول لما آمنوا بأن هذا مما أنزله الله على موسى عليه السلام، ولكنهم يؤمنون بذلك؛ لأنهم زعموا أن ذلك من ضمن التوراة.
    وأما بالنسبة للأناجيل، فإننا نجد أيضاً العجب العجاب! فالإنجيل الذي أنزله الله تبارك وتعالى وسماه (الإنجيل) هو إنجيل واحد فقط، ولكن النصارى الموجودين الآن في العالم عندهم من الأناجيل المطبوعة سبعون إنجيلاً، وهذه الأناجيل يكذب بعضها بعضاً في أشياء أساسية، فهم يقولون عن موسى: إنه مات ودفن وكان عمره كذا، ولا يعلم أحد قبره إلى اليوم، ولم يأت بعده نبي مثله، وهذا لا يمكن أن يكون مما أنزله الله على موسى، فلا يمكن مثلاً أن يقول الله في القرآن: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي سنة كذا ودفن في كذا، وجاء بعده الصحابة الكرام أبو بكر وعمر ... فلا يمكن أن يكون هذا من القرآن الذي أنزله الله على النبي صلى الله عليه وسلم؛ لكن يمكن أن ندرجه في أخبار التاريخ والسير.
    إذاً: فهذا يدل على أن التوراة والأناجيل ما هي إلا سير جمعها الناس وكتبوها، وكل منهم كتب ما عنده ؛ لأن هذه الكتب لم يتكفل الله تعالى بحفظها ؛ ولكنهم استحفظوا عليها، كما قال تعالى: (( بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ)[المائدة:44]، ففرق بين ما استحفظ وبين ما حفظ، قال تعالى عن القرآن: (( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)[الحجر:9]، فهذا محفوظ، وذاك مستحفظ عليه، وقد تستحفظ من لا يحفظ، وهذا هو ما وقع، فقد استحفظ الله تبارك وتعالى من ضيعها وأكل بها السحت، وحرفها بأنواع التحريف: إما بالتحريف الحقيقي: وهو أن يأتوا بآيات ويكتبوها، ثم يقولون: هذا من عند الله وما هو من عند الله. وإما بالتحريف في الألفاظ: وهو ليُّ اللسان: ((يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ))[آل عمران:78]، أي: أنه يقرأ الآية -مثلاً- في التوراة، فيلوي لسانه لتدل على معنى آخر غير المراد منها.
    فإما أن يغيروا الكلام ويبدلوه، وإما أن يحرفوه عن مواضعه (يلوون اللسان به)، وإما أن ينزلوه على غير ما نزل فيه. وهذا من التحريف، كأن تنزل آية في فلان فيجعلونها في فلان آخر، أو تنزل في الحلال فيجعلونها في الحرام، وكل أنواع التحريف وقع فيه اليهود.