فأول ما نفهم من هذا الحديث أن المؤمنين هنا هم الذين يستحقون دخول الجنة، وأكد هذا وبينه فقال: (إذا عبروا الصراط)، ومعلوم أنه لا يعبر الصراط إلا من نجا؛ فإن الهالكين تخطفهم كلاليب -نسأل الله العفو والعافية- فيقعون في النار، سواءٌ من كان منهم من أهلها الخالدين المخلدين فيها، أو من كان ممن شاء الله تبارك وتعالى أن يعذب فيها ويطهر ثم يخرج منها. فالمقصود أن هذا في حق من كان من أهل النجاة من النار، فقد جاوزوا الصراط، فلا خوف عليهم الآن من دخول النار، ولكنهم يوقفون على قنطرة بين الجنة والنار، وهذه القنطرة هي المحطة الأخيرة؛ لأنه بعدها لا يكون إلا الجنة، وليس فيهم -إن شاء الله تعالى- من يدخل النار، ولكن هي عبرة وعظة للمؤمنين في الدنيا، وهي تنقية وتطهير لهم في الآخرة، ذلك لأن الله سبحانه وتعالى لم يجعل الجنة ولم يكتبها إلا لمن يلقاه نقياً خالصاً من الذنوب، وهؤلاء القوم ليس لهم ذنوب تجعلهم من أهل الهلاك وممن يدخل النار أو يستحقها، لكن بقي أمر آخر، وهو آخر ما ينقى منه الإنسان، وهو أن هؤلاء -وهم كلهم من أهل النجاة ومن أهل الجنة- كان بينهم مظالم، فلهذا يوقفون على هذه القنطرة فيقتص لبعضهم من بعض، فإذا هذبوا ونقوا أذن لهم في دخول الجنة، فيتم تهذيبهم وتنقيتهم بهذا. وهذا واضح، والشاهد منه أنه جعل هذا أحد الموانع من دخول النار، فكأنه قال: لو لم يهذبوا ولو لم ينقوا لربما كان ذلك موجباً لدخولهم النار، وإن كان هذا -في الحقيقة- إنما يكون بعد أن يكتب الله تبارك وتعالى لهم النجاة.