ولعل مما يدل على ذلك أيضاً أنه إذا كان هناك من يدخل الجنة بغير حساب ولا عذاب؛ فذلك دليل بلا ريب على أن هناك من يدخل الجنة بغير حساب بعد جدال ومعاذير، ولو لم يكن إلا أن يدني الله سبحانه وتعالى العبد فيقرره بذنوبه لكفى، فإن هذا ليس بالهين، ولهذا كان بعض العلماء يقول: أكثر ما أخاف حيائي من الله يوم ألقاه. أي: يخشى الحياء من الوقوف بين يديه فيقول له: يا عبدي! فعلت وفعلت.
وكان بعض السلف يقول: واسوأتاه! -وإن غفر- من الوقوف بين يدي الله سبحانه وتعالى.
فالعبد في الدنيا يستخفي من الناس الذين يرى فيهم الخير والصلاح، ولا يحب أن يطلعوا على ما قصر في طاعة الله، فكيف بالعزيز الجبار المتكبر الذي يدني عبده المؤمن؟! وإن كان يختم ذلك بقوله جل جلاله: (قد سترتها عليك في الدنيا وأنا أسترها عليك اليوم).
فهذا الموقف وحده كافٍ في أن يخاف المؤمنون منه، ويتمنى كل واحد منهم ويسعى ويجتهد ويحرص على أن يكون ممن يجوز بلا حساب ولا عذاب، وربما كان هذا حال من لا يتعرض لذلك الموقف مطلقاً، لكن هذا وحده أقل ما يكون وفيه ما فيه، وقد تصدعت له قلوب أقوام من السلف.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.