هناك من تقوم عليه الساعة وينفخ في الصور وهو لا يزال في حاجة إلى أن يتطهر، بحيث لا يبلغ به ذنبه أن يدخل النار، فهؤلاء يتطهرون ويكفر عنهم بأهوال يوم القيامة من الصعق والفزع والنفخ في الصور، وهذا الحدث العظيم كيف تتصوره؟ لو كنت في عمارة فانهدمت كلها -نسأل الله أن يحفظنا وإياكم- بلغم أو صاروخ يأتي عليها كما يقع في الحروب نعوذ بالله من ذلك، فكيف لو أن المدينة بأكملها هزها بركان عنيف -والعياذ بالله- وهدت الجبال والعمارات وخدت الأخاديد؟!
ولذا لما حدث زلزال في الجزائر كان مندوب إذاعة لندن -وهو ليس مسلماً- يقول عندما وصف الزلزال وهو في الجزائر : كأنه يوم القيامة. يعني أنه شيء عظيم جداً، وهذا في حدود منطقة أو مدينة أو إقليم، فكيف بزلزال يهد الأرض كلها ويبس الجبال بساً وينسفها نسفاً؟! وكيف إذا كان الزلزال في كل ما يسمى بالمجموعة الشمسية؟! وإذا كان الأمر كذلك فكيف بكل ما في هذا الوجود من كواكب وشموس وجبال وأنهار وبحار؟! فالبحار تسجر: (( وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ ))[التكوير:6] فتشتعل ناراً، وهذا ما لا يتصوره الإنسان، فلو فكر الإنسان في هذا الأمر لوجد الهول العظيم والكرب الشديد.
ثم بعد ذلك الوقوف بين يدي الله سبحانه وتعالى وما فيه من أهوال، يحشر الناس حفاة عراة غرلاً، يلجمهم العرق فمنهم من يلجمه فلا يستطيع أن يتكلم، ومنهم من يبلغ إلى منكبيه، ومنهم من يبلغ إلى ثدييه، ومنهم من يبلغ إلى حقويه، ومنهم من يبلغ إلى ركبتيه، ولا يعلم طول هذا الموقف إلا الله جل جلاله، وقد تأتي النار تتلظى وتزمجر وتستأذن الله سبحانه وتعالى في أن تجتاح وتجتث الناس، وكم من الأهوال في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة على من طول الله عليه الحساب، نسأل الله لنا ولكم التيسير والتخفيف والرحمة، وأن يجعلنا جميعاً من الزمرة الأولى الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب.
وفي إمكان كل إنسان أن يجتهد بإذن الله ليلحق بهم، فمن فضل الله سبحانه وتعالى على هذه الأمة أن جعل مع كل واحد أو مع كل ألف سبعين ألفاً رحمة من الله تعالى وتكرماً.
فعند الميزان والصراط وتطاير الصحف لا يذكر الحبيب حبيبه، وينسى كل أحد صديقه كما قال ذلك النبي صلى الله عليه وسلم لـعائشة رضي الله عنها، فهناك مواضع ومواطن يتلاقى فيها الناس ويتحدثون، ولكن هناك مواقف ينسى الإنسان فيها كل أحد، فلا يذكر أحد أحداً، ولا سيما في هذه الثلاثة المواطن.