ثم ذكر الشيخ أيضاً قوله تعالى: ( ((
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ ))[النساء:60]).وهذه الآية فيها الإشارة إلى المنافقين، فالمنافقون ادعوا الإيمان وزعموه، ولكنهم عندما رفضوا الاتباع كما في سبب النزول، والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، إذ قالوا: نتحاكم إلى
كعب بن الأشرف أو إلى كاهن جهينة على اختلاف الروايتين ولا نذهب إلى محمد صلى الله عليه وسلم؛ ولذلك سمى الله دعواهم الإيمان زعماً؛ لأنهم ليسوا بمؤمنين، فقال تعالى: ((
أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا ))[النساء:60] إذ لو كانوا مؤمنين لما رضوا أبداً أن يتحاكموا إلى غير رسول الله صلى الله عليه وسلم كائناً من كان، وقد علل الله تعالى عدم إيمانهم بأنهم يريدون التحاكم إلى الطاغوت فقال: ((
يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ ))[النساء:60] فمجرد الإرادة ومجرد الرغبة في التحاكم إلى غير ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم يعد نفاقاً أكبر والعياذ بالله، فهم ما تحاكموا إلى الطاغوت، وإنما أرادوا ذلك، فبهذه الإرادة كفروا؛ لأنها تدل على خلو القلب من الإيمان بمتابعته صلى الله عليه وسلم الله عليه وسلم متابعة مطلقة؛ ولهذا جاء في آخر الآيات: ((
فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ))[النساء:65] يعني: من غير منازعة ولا مدافعة ولا ممانعة، وهذا هو الإيمان، وما عداه فليس بإيمان.ثم يقول رحمه الله: (وكل من خالف شيئاً مما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم مقلداً في ذلك لمن يظن أنه ولي الله، فإنه بنى أمره على أنه ولي لله)، يعني: إذا قلد شخص أي إنسان فيما يعلم أن ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم خلافه فهذا يدل على أن الدافع له إلى ذلك اعتقاد مركب من جزئين:الجزء الأول: أن هذا ولي لله.والجزء الثاني: أن أولياء الله تعالى لا يخالفون، فما دام ولياً لله فأولياء الله لا يخالفون أوامره، فتجد التابع للولي مطلقاً قد خالف ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم وأطاع الولي. يقول الشيخ رحمه الله: (فلو كان هذا الرجل من أكبر أولياء الله كأكابر الصحابة والتابعين لم يقبل منه ما خالف الكتاب والسنة، فكيف إذا لم يكن كذلك) فلا يصح هذا أبداً، ثم ذكر الشيخ رحمه الله عمدتهم وحجتهم عندما يعتقدون في هؤلاء أنهم أولياء وبالتالي فهم لا يخالَفون في شيء، فيخرجون عن حد الإيمان -والعياذ بالله- إلى اتباع غير الرسول صلى الله عليه وسلم.