يقول الشيخ رحمه الله: (قال ابن مسعود رضي الله عنه: [لا يسأل أحدكم عن نفسه إلا القرآن، فإن كان يحب القرآن، فهو يحب الله، وإن كان يبغض القرآن فهو يبغض الله ورسوله]) والمعنى: إذا أردت أن تسأل عن إيمانك في قلبك، فانظر منزلة القرآن من قلبك، فإيمانك بقدر منزلة كلام الله تعالى في قلبك، فمقدار هذا الحب هو مقدار إيمانك.
فإذا كان هؤلاء يكرهونه والعياذ بالله،كما يذكر الغزالي من طوامه الكبرى أنه ذكر في الإحياء أن بعض العباد أو الصوفية يفضلون سماع الألحان على سماع القرآن من سبعة أوجه -والعياذ بالله- وذكر أن رجلاً منهم كان يقال له يوسف الزنديق ، فجاء رجل فقرأ عليه الآيات فلم يتأثر، فلما أخذ في الشعر بكى، فقال: يا بني! يقولون: يوسف زنديق ، ما هو إلا ما ترى، لماذا يقولون عني أني زنديق؟ لأني إذا سمعت القرآن لا أتأثر، فإذا جاءت الأشعار تأثرت وبكيت، فهذا زنديق لا شك فيه، وهو يرى أن هذه تهمة عظيمة، فغريب أن تشبع هذه القلوب وتلتذ وتأنس بمزمار الشيطان، وتنفر من كلام الرحمن، ثم تدعي أنها من أولياء الرحمن؟ سبحان الله! ولذلك فإن الذين يسمعون الغناء إن كانوا يسمعون الغناء كحال كثير ممن يسمع الأغاني في الإذاعة أو يشتريها فيهم فسق وشهوة، فهذا من الكبائر المحرمة -والعياذ بالله- وأما إن كانوا يسمعون ذلك تديناً، فهذه قد أصبحت بدعة وزندقة -نعوذ بالله- أشد ممن يستمع إليها شهوةً وطرباً.
يقول الشيخ رحمه الله: (وقال عثمان بن عفان رضي الله عنه: [لو طهرت قلوبنا لما شبعت من كلام الله عز وجل]) يعني: إذا قرأت القرآن ووجدت أنك تعبت أو شبعت فالقلب فيه شيء، ولكن لو طهرت القلوب تماماً فإنها لا تستطيع أن تشبع من القرآن، ومن ذكر الله عموماً، والإنسان لا بد له من أمور أخرى يعملها في حياته، ولكن إذا كان يقرأ القرآن فيجب أن لا يشبع، نعم قد يضع القرآن؛ لأنه يريد أن يصلي، أو يجاهد، أو يقوم بحق من حقوق الله الأخرى، أو يقوم بحق للأهل، أو حق للعمل للدنيا لينفق على نفسه، لكن ليس معنى هذا أنه شبع من القرآن، بدليل أنه لو كفي هذه الأمور لما ترك القرآن وذكر الله عز وجل، أما إذا وجد الإنسان أنه عندما يقرأ يتعب أو يشبع فذلك فيه دلالة على أن القلب فيه شيء، وإلا فأين كمال طهارة القلب التي تجعله يشبع من كلام الله عز وجل؟
(وقال ابن مسعود: [الذكر ينبت الإيمان في القلب كما ينبت الماء البقل، والغناء ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء البقل]). يعني: إما أن يكون الإنسان يمارس ذكر الله فينبت الإيمان، وإما أن يكون في قلبه الغناء فينبت النفاق، وهذا أحد ما يقيس به الإنسان نفسه، فإذا كان يسمع القرآن ويلتذ بسماعه ويأنس به فليحمد الله على ذلك، وإن كان لا يطيق سماعه، فليعلم أن قلبه تسلطن عليه الشياطين، وأن الشيطان قابض على قلبه، فهو لا يطيق ذكر الله، ولا يتحمل أن يسمع شيئاً منه.