قال: (واحتج الخصم بوجوه) وذكر أربعة وجوه عقلية ربما أنه لم يذكرها بعض العلماء أو أكثرهم، لكن ليس ذلك بمهم، بل المهم هي الأدلة والنصوص.قال: (الخامس: الاستدلال بالظواهر الموهمة للتجسيم من الآيات والأحاديث) وهنا نراه جعل ظاهر الآيات والأحاديث موهمة بزعمه للتجسيم، والتجسيم أحد الكلمات البدعية التي ابتدعها أولئك، وحكمها أنها من جملة الألفاظ المجملة التي لا نثبتها نحن، ولكننا نستفسر قائلها عن مراده بها. ونحن نعلم أن مقصود هذه الكلمة هو النبز من المبتدعة لـ
أهل السنة ويقولون: إنهم مشبهة أو إنهم مجسمة.قال: (نحو قوله تعالى: ((
الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ))[طه:5]) فهذه من الظواهر عندهم، مع أن الآية صريحة قطعية الدلالة ولكنه قرر بأن هذه مجرد ظواهر.قال: (وقوله تعالى: ((
وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا ))[الفجر:22]، وقوله تعالى: ((
فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ ))[فصلت:38]، وقوله تعالى: ((
إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ ))[فاطر:10]، وقوله تعالى: ((
تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ ))[المعارج:4]، وقوله تعالى: ((
هَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ ))[البقرة:210]، وقوله تعالى: ((
أَأَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ ))[الملك:16]، وقوله تعالى: ((
ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى *
فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى ))[النجم:8-9]).وهذه الآية كما تعلمون نزلت في جبريل عليه السلام، الذي دنا فتدلى، ولكن صاحب
المواقف ذكرها على أساس أنها وردت في صفة العلو في بعض الروايات التي أخطأ فيها راويها كما بينا ذلك في حديث الإسراء والمعراج، وبينا أنه بمجرد أن بعض
أهل السنة أخطأ فيها مثلاً فإنهم يجعلونها حجة عليهم جملة.ثم قال: (وحديث النزول، وقوله صلى الله عليه وسلم للجارية الخرساء: (
أين الله؟ ) ) وهم يذكرون أنها كانت خرساء ليقولوا: إن الإشارة أضعف أنواع الدلالة، فلا تكون الإشارة نطقاً.ثم يقول: (فأشارت فقررها، والسؤال والتقرير يشعران بالجهة)، وبعد انظر كيف يجيب
الأشاعرة على هذه الآيات والأحاديث؟قال: (والجواب: أنها ظواهر ظنية لا تعارض اليقينيات).انظر -والعياذ بالله- كيف يرد هذه الجملة الكثيرة من الأدلة من الآيات والأحاديث الثابتة بكلمة واحدة ويقول: إنها ظواهر ولا تعارض اليقينيات، فهي ظواهر ظنية تفيد الظن، ولا تعارض اليقينيات، وهي أنه تعالى بزعمهم لا فوق العالم، ولا تحته، ولا يمينه، ولا يساره، ولا قدامه، ولا وراءه، ولا داخله، ولا خارجه، فهذا هو اليقين عندهم والعياذ بالله!!ولهذا فإن
التفتازاني وبعض المتأخرين ممن هو على مذهبه يتعجبون من كلام
ابن تيمية رحمه الله حتى كادوا أن يقروه، ويقولوا: هذا هو الحق، أو عبارة قريب من هذا، وذلك عندما قال
ابن تيمية رحمه الله: (إن قولنا: إنه تعالى لا داخل العالم ولا خارجه ولا فوقه ولا تحته ولا قدامه إلى آخر ذلك، إنه وقولنا: غير موجود سواء).أي: هذان القولان سواء، وهذا واضح لكل عاقل، فلو تأمل أي إنسان فإنه يدرك بالعقل أنه إذا كان الشيء يوصف بهذا النفي وهذا السلب المطلق وأنه لا داخل ولا خارج ولا فوق ولا تحت، فمعناه أنه غير موجود، ولهذا إذا أراد أحدنا أن يعبر بنفي مطلق، كما لو سئل: هل رأيت فلاناً؟ أو هل تعلم أن فلاناً موجود؟ وهو لا يعتقد وجود أحد بهذا الاسم، فإنه يقول: هذا الرجل لا يوجد لا داخل
المملكة ولا خارجها، ولا في
أمريكا ، ولا في الشرق، ولا في الغرب، فكثرة النفي دليل على أنه لا وجود له، بل هو معدوم مطلقاً، فهذان التعبيران في القوة سواء، أي: أن تقول هذه العبارات، أو تقول: هو غير موجود سواء.وهذه هي اليقينيات عندهم والعياذ بالله، وبهذا اليقين المزعوم يردون آيات الكتاب، وما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.قال: (ومهما تعارض دليلان وجب العمل بهما ما أمكن، فتؤول الظواهر إما إجمالاً ويفوض تفصيلها إلى الله) أي: لو وردت آية أو حديث فإننا نؤولها إجمالاً ونفوض تفصيلها، يعني: كلها نقول: إن الله أعلم بمراده بها، ولا نثبت معناها، وكأنها كلام يكتب ويقرأ ولا يفهم معناه كما يقول بعضهم في مثل قوله تعالى: ((
الم ))[البقرة:1] إنها حروف مقطعة لا ندرك معناها، وعند هؤلاء أن قوله تعالى: ((
الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ))[طه:5] لا يدرك معناها أيضاً. ويفوض الأمر فيها إلى الله!وهذا بزعمهم هو التأويل الكلي مع التفويض، وهو أن الآية تؤول وليست على ظاهرها، بل نفوضها أو نعمل بالتأويل التفصيلي، فنقول: (استوى) معناها: استولى وقوله تعالى: ((
أَأَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ ))[الملك:16] أي: ملكه مثلاً! وقوله صلى الله عليه وسلم: (
ينزل ربنا ) أي: رحمته وهكذا، أي: فيؤول كل نص على حدة، وهذا هو التأويل التفصيلي وهو بدعة، وكذلك التأويل الإجمالي هو بدعة كذلك. فصارت النصوص كلها ظواهر ظنية ولا تفيد اليقين، وهذا هو كلام ورأي صاحب
المواقف، وبهذا يرد كل ما جاء عن الله ورسوله في باب الصفات، من جهة أنها لا تفيد اليقين.