إن الإمام أحمد رحمه الله قد اختصر الطريق على من يناظرون أهل البدع، ولما جاءوا به عذبوه وآذوه، وعندما كان يناظر المبتدعة من المعتزلة كـبرغوث ومن كان معه قالوا: يا أحمد ! ألم يقل الله تعالى: (( إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا ))[الزخرف:3]؟ قال: بلى، قالوا: ألم يقل الله تبارك وتعالى: (( الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ))[الأنعام:1]؟ قال: بلى، فيقولون: أليس المجعول أليس مخلوقاً؟ فيقول لهم: ائتوني بشيء من السنة؛ لأنهم يركبون من الآيتين معنى، وهو أن القرآن مخلوق، فيقول: ائتوني بشيء من السنة، أو من كلام الصحابة، أو من كلام التابعين، لأن القاعدة السابقة تؤكد أننا لا نحتاج فيما بينه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم إلى مجرد اللغة وشواهدها، فيأتي بآية من هنا وآية من هنا، وشاهد من هنا ثم يقول: الجعل في لغة العرب هو الخلق، فجعلناه بمعنى: خلقناه، وهنا باطل، بل حتى من جهة اللغة يمكن أن نرد عليهم بأن (جعل) تأتي بمعنى: صير، وتأتي بمعنى: خلق، لكن الإمام أحمد اختصر فقال: أنا أقول لهم: إذا كان هذا المعنى من الدين والعقيدة، وله هذه الأهمية والوضوح بحيث تؤذون الناس بسبب هذه المسألة وتعذبونهم وتعزلونهم من وظائفهم وتطردونهم، فلماذا لم يأت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عن الصحابة ولا عن التابعين فيه شيء؟ إنكم أنتم من جئتم به بعد هذه القرون الثلاثة، وتستخرجون بعقولكم ما ترون أنه من الدين، فكيف يخفى هذا الدين وهذه العقيدة على تلك القرون الثلاثة المفضلة؟ ولا يأتي بيانه في السنة الشارحة والمبينة للقرآن، ولا في كلام الصحابة؛ وهم أفقه الناس وأعلمهم بمراد الله ورسوله، ولا في كلام التابعين الذين أخذوا هذا العلم والفقه وتلقوه عن أفضل الخلق وهم الصحابة، فإن لم يكن لديكم شيء عن هؤلاء فأصلكم الذي استدللتم به باطل.
يقول المؤلف رحمه الله: (وهذا طريقة سائر أئمة المسلمين) يعني: غير أحمد رحمه الله (لا يعدلون عن بيان الرسول صلى الله عليه وسلم إذا وجدوا إلى ذلك سبيلاً) ثم أخذ يضرب المثال أي: في موضوعنا هنا، وهو (أن المرجئة لما عدلوا عن معرفة كلام الله ورسوله صلى الله عليه وسلم أخذوا يتكلمون في مسمى الإيمان والإسلام وغيرهما بطرق ابتدعوها) مثل أن يبنوا الكلام على المقدمات الخاطئة ثم يستدلون بها.