قال المصنف: [قال تعالى: ((
فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ))[النحل:35]... وقال تعالى: ((
فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ الْمُبِينُ))[النحل:82] ((
وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ))[النور:54] وقال تعالى:((
وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ))[التغابن:12] ].
إن المقصود من قوله تعالى: ((
فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ))[النحل:35]
أنه ليس على الرسل أن يهدوا قومهم هداية التوفيق والإلهام، بل هداية البيان والإرشاد، فالله تعالى لم يرسل الرسل مع إلزامهم بأن يؤمن بهم كل من يدعونه، إذ لو كان الواجب على الرسول أن يؤمن به قومه، لكان في ذلك حرج شديد عليه، وإنما على الرسول البلاغ المبين؛ إن آمنوا فالله تعالى يتولى المؤمنين، وإن كفروا فالله تعالى حسبهم وهو يتولاهم.
((إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلاغُ))[الشورى:48] أي: وما عليك أنت إلا البلاغ.
والجهاد هو من البلاغ، ونحن نجاهد لنبلغ دعوة الله، ولا نرغم أحداً على الإيمان بقلبه؛ لأننا لا نطلع على القلوب، فكيف نملك أن نكره الناس على الإيمان؟!
قال تعالى: ((أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ))[يونس:99].
وليس معناها ألا تجاهدهم بل معناها: أن من لم يرد الله له الإيمان ولم يكتبه في قلبه فمهما بذلت، ومهما حاولت، ومهما اجتهدت، فلن يؤمنوا، قال تعالى: ((وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ))[يونس:100].
فهناك من كتب الله عليهم الضلالة: ((فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ))[النحل:36] فهؤلاء الذين حقت عليهم الضلالة هم كما وصفهم الله بقوله: ((وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِهَا))[الأنعام:25] فقد قالوا: لو أنزل علينا كتاباً من السماء نقرؤه، وقالوا: افتح لنا باباً من السماء، ومع ذلك فلو فتح الباب وعرجوا فيه ورأوا الملائكة، فإنهم سيقولون: ((بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ))[الحجر:15] فلا فائدة؛ لأن النفوس غير مستعدة للإيمان، فقد كتبت عليها الضلالة، وقست فلا تلين.
فمعنى قوله تعالى: ((وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ))[النور:54] أي: أن الرسل جميعاً إنما أمروا بالبلاغ، وأن الله تعالى أعطاهم وسائل البلاغ في الآيات البينات، والحجج الظاهرات القطعيات، وأعطاهم الأسلوب المبين في الإفصاح عمَّا يريدون، يوصلونه إلى أقوامهم بأوجز وأبلغ وأبين عبارة، بحسب لسان أقوامهم.
ثم بعد ذلك: إن آمنوا فذلك فضل الله تبارك وتعالى عليهم، وإن كفروا فذلك من خذلان الله تعالى لهم، فإنه وكَلَهم إلى أنفسهم فخابوا وخسروا، وهو الذي يتولى جزاءهم سبحانه وتعالى، وقد قال تعالى لنبيه: ((لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ))[الغاشية:22] وإنما الله عز وجل هو الذي يحاسبهم.