مدى صحة نسبة الكتاب إلى الإمام أبي حنيفة
وهذا الكلام ليس لرجل من الحنفية المحدثين، فالإمام الطحاوي رحمه الله إمام محدث، وكل محدث يعز ويصعب عليه أن يخالف مذهب أهل السنة والجماعة ، ويطرح الأحاديث والآثار في ذلك، ولهذا لم ينقل عن الإمام هذا الغلو من محدث، وإنما نقل من متكلم ومؤول، وهو أبو بكر بن فورك ، صاحب كتاب: بيان مشكل الحديث ، وهو الذي أول كل أحاديث الصفات؛ ولذلك في فتح الباري كثيراً ما نجد في كتاب التوحيد أو في غيره أنه ينقل تأويله عنه في حديث من أحاديث الصفات، وربما ينقل عن القاضي عياض ، ويكون القاضي عياض قد نقل عنه، فهو من أقدم من كتب في هذا؛ لأنه متوفي سنة ثلاث بعد الأربعمائة، فأول كل أحاديث الصفات، فهو من الأشعرية الغالين، ولما جاء في موضوع الإيمان أيضاً لم يكتف بأن انتصر لمذهب الأشعرية، بل إنه ألف هذا الكتاب المنسوب إلى الإمام أبي حنيفة ، لكن هل هو الذي نسبه إليه أم غيره؟ الله أعلم، لكن كتاب: العالم والمتعلم منسوب إلى الإمام أبي حنيفة ، وكأن متعلماً يحاور ويسأل الإمام والإمام يجيبه ويخبره ويبين له عقيدته في هذا الشأن، وعبارة الكتاب عبارة متأخرة، إذ إن فيها منطق فلسفة يشعر بأن هذا الكلام لم يكن من كلام السلف، لا الإمام ولا من كان في عصره، وهذا الكتاب إلى الآن هو مخطوط إلا أن يكون قد طبع دون علم مني، لكن آخر عهدي به أنه مخطوط، ولا حاجة أن يطبع، ولا فائدة في خروجه؛ لأنه غير ثابت النسبة إلى الإمام أبي حنيفة رحمه الله، لكن نحن ننقل منه فقط ما يقررون به كلام الإمام، ثم بعد ذلك نبين الرد عليه، ونبين ما في كلام الشارح والماتن رحمهما الله؛ لأنهما اتبعا الإمام أبا حنيفة .