فإن قالوا: (هبل)؛ وهو كبير الأصنام، فنقول: ما هو إلا حجر، فكيف يدعى أنه مثل الله؟! وإن قيل: إن الآلهة هي الكواكب، فالكواكب من خلق الله؛ لذا قال إبراهيم عليه السلام: (( فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ ))[الأنعام:76]، فالذي يكون إلهاً لابد أن يراك ويسمعك، ويستجيب لك، وأما الذي يأفل ويغيب ويطلع، ويأتي ويذهب؛ فهذا لا يمكن أن يكون إلهاً، وهو نفسه مخلوق مربوب، والرب الخالق غير ذلك تبارك وتعالى.
والذين عبدوا الأنبياء وعبدوا الملائكة يقال لهم: كيف تعبدون هؤلاء والله تعالى لم يكن له كفواً أحد من هؤلاء مطلقاً: لا من الأنبياء، ولا من الملائكة، فكلهم مفتقرون إليه ومحتاجون، وهم كما قال تعالى: (( أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ ))[الإسراء:57]، فهم يتقربون إلى الله، ويعبدون الله، ويريدون أن ينالوا رضي الله، فكيف تجعلونهم مثل الله؟! وكيف تساوونهم بالله، كما قال: (( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ ))[البقرة:165].
فأنت عندما تعتقد أنه لم يكن له كفواً أحد فكيف تحب أحداً مثله أو أكثر منه؟! فلا يصح ذلك، وكيف تعدل بينه وبين أحد من خلقه؟! كما قال تعالى: (( الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ ))[الأنعام:1]، وقال الله في حق المشركين: (( تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ * إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ ))[الشعراء:97-98]، فكيف تسوونهم به والله تعالى ليس له شركاء يخلقون كخلقه، ولا يرزقون كرزقه، ولم يكن له في السموات ولا في الأرض من شريك، ولا ظهير، ولا معين إلى غير ذلك مما بين الله تعالى في أكثر من آية مما قطع به دابر الشرك، ودعواه، وما يزعمه أهله.
فهو تعالى الموصوف بهذه الصفات العظيمة، ولهذا كانت هذه السورة تعدل ثلث القرآن، وقد ألف شيخ الإسلام رحمه الله كتاباً مستقلاً في ذلك سماه: جواب أهل العلم والإيمان في كون قل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن ، فإذا قرأ العبد هاتين السورتين فقد جمع نوعي التوحيد في أول يومه، وفي أول ليلته.