بيان معاني مفردات سورة الإخلاص
ومعنى: (أحد): لا شريك له، وكلمة (أحد) أبلغ وأعظم من كلمة (واحد)؛ لأن أحد لا تحتمل اثنين، فهو متفرد وليس له شريك، ولا نظير، ولا ثاني. (الصمد): له عدة معان، فيطلق على السيد المطلق التصرف، وقيل: هو الذي تصمد إليه الخلائق، فهو يدل على كمال الغنى، فكل ما عداه مفتقر إليه، ويصمد له في حاجته، فهو مصمود له تبارك وتعالى، وقيل: الصمد: المصمت الذي لا جوف له، وليس كما تتخيل عقولنا من هذه الأشياء المخلوقة؛ التي لها أبعاد، أو لها جوف وفراغ بداخلها، فالله هو الصمد الذي لا جوف له.والمقصود: أن الله تعالى ليس له نظير، ولا ند، ولا شبيه، فهو ليس كمثله شيء وهو السميع البصير. ثم قال: (( لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ ))[الإخلاص:3]، وهذا فيه رد على كل طوائف الضلال المعروفة في الدنيا؛ فإن اليهود قالت: عزير ابن الله، ودعوى: أن لله ولداً دعوى قديمة، فالله يقول: (( وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ ))[التوبة:30]، فهناك أمم قبل اليهود و النصارى ادعت أن لله ولداً، وأن الله يلد، والآية تدل على ذلك، والتاريخ يؤكد هذا، فإن المصريين القدماء -قبل التوراة، وقبل موسى عليه السلام- كانوا يعتقدون ذلك، وكذلك اليونان قبل أن يعرفوا النصرانية وغيرهم؛ كانوا يعتقدون ذلك، فالإله الأكبر يسميه المصريون (رَع)، أو (إيزيس)، أو (حوريس)، وعند الرومان (جويبتر) وغيرها، والفرس والبراهمة يجعلون الإله يتكون من ثلاثة أقانيم: الأكبر: هو براهما، والآخر: فشنو، والثالث: سيتا.فالتثليث، ودعوى النبوة عقائد قديمة قبل اليهود و النصارى ، لكن العجب أن يعتقدها أهل الكتاب؛ فضلاً عن المسلمين، والحمد لله لم يقل بذلك أحد من المسلمين، فكونه تعالى ينفي عن نفسه الولد فهذا فيه تكذيب لكل من كفر بذلك وهم اليهود و النصارى ، ومن سبقهم. ثم إن العرب ادعت: أن الملائكة بنات الله، (( وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ ))[الزخرف:19]، فوقعوا في الضلال من ناحيتين: من دعواهم: أن لله تعالى بنات، ومن دعواهم: أن الملائكة إناث، فرد عليهم الله تعالى في الموضعين، أي: كيف حكمتم أن الملائكة إناث، ثم كيف قلتم: إن هؤلاء الإناث بنات الله تعالى؟! وهكذا يكون تخبط العقل البشري، ثم ما أسوأ حكمهم حين يقررون ذلك وهم الذين إذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسوداً وهو كظيم!فجعلوا لله الأدنى الذي يكرهونه، ويأنفون منه، وجعلوا لهم البنيين الذين يحبون: (( أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلائِكَةِ إِنَاثًا ))[الإسراء:40]، وهذا هو الجهل والضلال المركب من جميع الجهات، فهذه السورة تنفي زعم العرب، وزعم اليهود و النصارى وغيرهم فتقول: (( لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ ))[الإخلاص:3]. ثم قال: (( وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ ))[الإخلاص:4]، وهذه غاية البيان في أن الله تعالى لا نظير له، ولا كفؤ، ولا ند: (( هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا ))[مريم:65]، فلا يمكن ذلك لا بالاسم، ولا بما يدل عليه الاسم من الصفات، فالله تعالى متفرد بصفات الكمال والجلال، ونعوت العظمة، فلا يشاركه فيها أحد، فهو لم يكن له كفواً أحد مما يدعي المدعون، فمهما ادعى الناس من آلهة فأيها يمكن أن يكون شريكاً لله تعالى، أو أن يكون مثل الله؟!