فأما النوع الأول -وهو توحيد العبادة والإرادة والقصد والطلب.. إلى آخره-: فهو في قوله: (( قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ * لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ ))[الكافرون:1-2]، ففيها البراءة المطلقة من الكافرين، وعبادتهم، وإخلاص العبادة لله، فنحن لا نعبد إلا الله، ونستفتح يومنا بذلك، فتخاطب الكافرين، وتتبين بذلك صلة هذا الدين بحقيقتنا ومعيشتنا وواقعنا اليومي المعايش والمباشر، فالمفروض أن كل واحد منا لا يقرأ هذه الآيات مجرد قراءة عابرة، ويهذها كهذ الشعر، ثم يركع؛ لا، بل لا بد أن يعي وأن يتدبر ذلك كل يوم، فيلعن البراءة من الكافرين، ومما يعبدون من دون الله بهذا الخطاب: (( قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ * لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ ))[الكافرون:1-2]، أي: اعبدوا ما شئتم من دون الله فأنا لا أشارككم في ذلك أبداً.
وزيادة في التأكيد قال: (( وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ ))[الكافرون:3] أي: لا مجال للمساومة، ولا تقولوا: نعبد إلهكم وتعبدوا إلهنا، وهذا الذي حدث من المشركين، فقد عرضوا ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم لحل هذه المشكلة، ولا تقبل الحلول الوسط هنا، فهذا الأمر وحي لا يقبل الله فيه إلا الإخلاص، (( وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ ))[البينة:5]، فغير ذلك من أي نوع من أنواع الشرك لا يقبل عند الله: ( من عمل عملاً أشرك معي فيه غيري تركته وشركه )، والله تعالى يقول في الحديث القدسي: ( أنا أغنى الشركاء عن الشرك، فمن عمل عملاً أشرك معي فيه غيري تركته وشركه )، فلا يريد الله ذلك ولا يقبله أبداً، وإنما يريد الله تعالى التوحيد الخالص.
فالواحد منا يستفتح كل يوم يومه أو ليلته بأن يقرأ هذه السور الكريمة بعد سورة الفاتحة؛ التي ذكرنا أن لله حكماً عظيمة في تكرارها كل ركعة، فقد اشتملت على معان عظيمة جليلة، وجوامع العقيدة، فكل أنواع التوحيد والاستقامة والهدى والإيمان بالآخرة وغير ذلك؛ كلها في سورة الفاتحة، ثم نؤكد ذلك بسورة: (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ) في الركعة الأولى.