ومن مزايا هذا الحديث أيضاً: أن الأحاديث الأخرى تشتمل على أمور الإسلام والإيمان، وأما هذا الحديث فقد ذكر أعلى المراتب معها أيضاً، فهو يدخل فيما قلناه من كونه ذكر المراتب الثلاث، فقد بين حقيقة الإحسان، لذلك نجد تحت معنى الإحسان: (أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك)؛ فكل ما تكلم به في العبادة، والتقوى، والمراقبة، والمحاسبة، والسلوك -كما يسميه الصوفية مثلاً- والحقائق الإيمانية، وكل ما يدعون من أذواق، أو مواجيد، أو ما أشبه ذلك مما خلطوا فيه الحق بالباطل، أو كان حقاً محضاً، أو باطلاً محضاً؛ كل هذه الحقائق تجمعها هذه الجملة النبوية العظيمة التي بين فيها النبي صلى الله عليه وسلم حقيقة الإحسان، وأقره عليها جبريل: ( أن تعبد الله كأنك تراه )، فكل هذه الأمور ترجع إلى هذه اللفظة، فنحن نقول: إن هذا الحديث أفضل لأنه اشتمل على كل المعاني، وأما الآية وهي: (( قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا ))[الحجرات:14]، ففيها تفريق بين الإيمان والإسلام، وهذا حق، وهي قبله -أي: قبل هذا الحديث- فالأعراب قالوا هذا الكلام بعد حنين.
فالمهم: أن الآية بينت أن بينهما فرقاً، ( قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا)، فادعى الأعراب درجة الإيمان، (قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا)، فحقيقة أمرهم أنهم في المرتبة الدنيا، فبين مرتبتين، والآية لم تبين أركان كل مرتبة، ولم تأت بالمرتبة الثالثة وهي: الإحسان، ونحن هنا إنما نفاضل بين الحديث وبقية الأحاديث، فنقول: إن هذا الحديث قد ظهرت بذلك مزيته وفضله، واستحق أن يقال: إنه أشرف حديث في الإسلام عامة.
ونجد هناك أحاديث مخصوصة بفضل أو بشرف معين، كما قال الإمام أحمد في حديث أبي ذر : (يا عبادي!): إنه أشرف حديث رواه أهل الشام ، وحديث أبي ذر هذا له مزايا عظيمة؛ لأنه قدسي، ويشتمل على معاني عظيمة جداً، لكن كلها في باب الإحسان أو الوعظ والتذكير بالله تعالى، والتعريف بالله.
وأما حديث جبريل فمزيته وفضله مطلقة وغير مقيدة برواية أفراد معينين أو بموضوع معين.