فهذا الأمر من مواضع الخطر، ومزالق الشيطان، ورحم الله امرءاً شغله عيبه عن عيوب الناس، وما كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يحرصون على تتبع عيوب الآخرين، وهذا الأمر طويل جداً فلا نطيل فيه، ولو استعرضنا ذلك لوجدنا كثيراً من كلامهم ذكره ابن الجوزي و أبو نعيم ، والإمام أحمد وغيرهم، فقد كانوا أحرص الناس على عيوبهم، وكان أكثر شيء يحطون من قدره هي أنفسهم، ولا يرى الواحد منهم لنفسه فضلاً على أحد من عامة المسلمين في التقوى، والإيمان، والخير، بل ربما قد يرى الواحد منهم أحياناً بعض من عليه أثر المعصية فيقول: يا رب! قد يكون هذا خيراً مني، وهذا ليس من باب اعتقاد أن صاحب المعصية أفضل من صاحب الطاعة؛ لا، ولكن من باب: أن فلاناً ربما يكون له صلاح باطني، فهو خير مني؛ فقد يكون عملي مشوباً بالرياء، وربما لم يتقبل عند الله.
فهذه من باب تأديب وزجر النفس، وإلا لو أطلق الإنسان لنفسه هواها، ورأى أنه أعلم من غيره، وأتقى وأفضل وخير؛ لاستُدرج من حيث لا يشعر والعياذ بالله، فأصابه الكبر والرياء والعجب بالعمل؛ فيحبط عمله، نسأل الله العفو والعافية.
وربما يصل حال هذين إلى ما تقدم معنا من حديث ذلك الرجل من بني إسرائيل؛ الذي قال لأخيه -وقد كان من أصحاب المعاصي، وكان على معصية-: ( إلى كم تفعل هذا ولم تنته؟ والله لا يغفر الله لك، فقال الله تبارك وتعالى: من ذا الذي يتألى عليَّ؟ إني قد غفرت لفلان، وأحبطت عملك )، مع أن هذا كان آمراً بالمعروف، وناهياً عن المنكر، والآخر كان على معصية ظاهرة.
فالإيمان بضع وسبعون أو بضع وستون شعبة، فمنها الشعب الظاهرة، ومنها الشعب الباطنة، وبعض الشعب الظاهرة لا تستطيع أن تحكم على الناس من خلالها، فكيف بالشعب الباطنة! فلا تستطيع أن تحكم أن صلاتك أحسن من صلاة فلان، لأنك لا تراه وهو يصلي كل الفروض، فأحياناً تراه وأحياناً لا تراه؛ فلعله يصلي في مسجد آخر، فلا تستطيع أن تحكم عليه، مع أنها شعيرة ظاهرة، وعبادة ظاهرة، فما بالك بنظافة وطهارة القلب باليقين، وبالإخلاص، وبالصدق، وبالصدقة الخفية، فذلك لا يعلمه إلا الله، فربما يكون هذا الرجل له ميزة أنت لا تشعر بها، ولا تخطر لك على بال.
فهذا أويس القرني حض النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه -وهم أفضل الناس- على أن يطلبوا منه الدعاء، وكان عمر رضي الله تعالى عنه منهم، ودلهم على فضله، فقال لهم: ( له أم هو بها بار )، فما أدراك أن هذا الرجل الذي ترى أنك خير منه علماً، وتقوى، وفضلاً، وإخلاصاً؛ أنه قد يكون أبر منك بأمه؟ فأنت لا تراه كيف يعامل أهله وأبويه.