عواقب الكبر ممن لا تتوفر فيه دواعيه
يقول: (فأخبر صلى الله عليه وسلم أن الله يحب التجمل في اللباس الذي لا يحصل إلا بالغنى، وذلك ليس من الكبر، وفي الحديث الصحيح: ( ثلاثة لا يكلمهم الله، ولا ينظر إليهم يوم القيامة، ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم ) )، نسأل الله العفو والعافية، فهذا وعيد شديد غليظ، وهذه أربعة أنواع من الوعيد، والواحد منها يكفي في أن يزجر المؤمن عن حالهم.قال: ( فقير مختال ) أي: أنه يختال مع أنه فقير، وفي الرواية الأخرى: ( وعائل مستكبر )، فيمشي وكأنه طاوس، ويتحدث مع الكبراء ويخالطهم، ويتفاخر بأنه مثلهم، ويتدين حتى يكون لديه مثل ما لديهم: من سيارة، أو بيت أو ملابس، أو ألقاب عريضة، فالمتكبر الذي لديه دواعي الكبر: من مال، أو ثروة، أو نسب، أو جاه؛ حاله مذموم، فكيف به إذا كان فقيراً؟! فيكون الذم في حقه أشد، والوعيد أغلظ، نعوذ بالله. قال: ( وشيخ زان )، ولو زنى الشاب لكان فيه ما فيه، ولاستحق من العقوبة ما ذكر الله تبارك وتعالى: (( وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا ))[الإسراء:32]، فالزنا يفحش ويستقبح، وهو كبيرة من الكبائر، ويرتفع عن صاحبه الإيمان حتى يكون كالظلة ولو كان شاباً، ودواعي الشهوة متوفرة فيه، لكن أن يزني وهو شيخ فهذا عجيب، فربما يحمل نفسه على ذلك، ويتكلف ذلك؛ ليري نفسه أنه ما يزال شاباً، وأنه يستطيع أن يقضي شهواته ويتمتع، والعياذ بالله، فالوعيد في حقه أغلظ وأشد.والثالث: ( وملك كذاب )، فالعادة أن فقراء الناس وضعفاؤهم يكذبون ليحصلوا على دنيا، وليحصلوا على المال، فيكذبون الناس ليدارون بالكذب، لكن إذا كان الذي يكذب هو من يدارى، وهو الذي يتقيه الناس، وهو الملك أو الخليفة أو الأمير أو ما أشبه ذلك؛ فيجمع -مع كونه بهذه المنزلة العظيمة في الدنيا مع أهل الدنيا- الكذب؛ فهذا أشد مقتاً، وأغلظ عقوبة عند الله تبارك وتعالى، نسأل الله العفو والعافية.إذاً: فهذا يدل على أن مجرد الفقر في ذاته ليس فضيلة، وربما اقترن به ما يجعله أشد قبحاً، كما هنا اقترن هنا بالفقر الاختيال، وهو: الكبر.