قال تعالى: (( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ ))[النساء:49]، فإن كنت ترى أن لك فضلاً عليه بغير التقوى -والعياذ بالله- فهذا خروج عن الأصل الذي هو: (( إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ))[الحجرات:13]، فلا نقاش مع من يرى ذلك، لكن من يرى أنه أفضل منه بالتقوى، أو بالعلم، أو بالاستقامة، أو بالالتزام، أو بالصلاح؛ فإنا نقول له: وما يدريك ذلك؟ فلا تطلق الأحكام، وأقل شيء أن تقيد هذه الأفضلية؛ فربما يكون في المخالف معصية ظاهرة، وتكون فيك كبيرة باطنة، وتكون عند الله تبارك وتعالى مثله، أو أقل منه وأنت لا تعلم، فلا تغمط الناس.
فأنتما في الصلاة سواء، وفي الصدقة سواء مثلاً؛ وفي كل شيء إلا أنه يسبل إزاره، وهذه المعصية هي كبيرة ولا فيها نقاش في ذلك، وأنت ترى أنك متمسك بإعفاء لحيتك، ورفع إزارك، وترى أن هذا أقل منك في هذا الشأن، وكونك تدعوه وتنصحه هذا لا إشكال فيه، لكن أن تظن أنك أفضل منه عند الله لأنك كذلك فهذا غير صحيح. وهذا الخطأ يقع فيه كثير من الناس، فإذا رأوا واحداً هذا منظره ومظهره أطلقوا التفضيل أن فلاناً أفضل من فلان، وهذا غير صحيح، ولكن تقيد فتقول: فلان أفضل من فلان في ظاهره، أو كما يبدو لي، وأما إطلاق أنه أفضل وخير من ذاك فلا.
ومع الأسف تجدون من هذا مظهره -وهو من طلبة العلم، والمحبين والمنتسبين إليه- قد يقع في الغيبة والنميمة، والوشاية، والحسد، وغيرها من الأمراض أو الكبائر الباطنة، ومع ذلك تجده لا يشعر بها، وذاك ما دام أنه يصلي، ويصوم، ويتصدق ففيه خير إلا أن نفسه، أو شهوته، أو هواه، أو زوجته، أو ضغط الوالدين عليه، أو ضغط المدير عليه في العمل، أو شيء من هذا جعله يترك هذه السنة التي تراها أنت واجبة، وهو لا يخالفك في ذلك، وهو دائماً يستشعر التقصير، فتجده إذا تكلم يقول: أنا والله وإن كنت حليقاً، وإن كان ثوبي مسبلاً؛ فإني أحب الطيبين، وكلما تكلم تستشعر أنه يعترف بالتقصير، ويعترف بأنه مخطئ.
فانظر بعين التجرد من الأفضل عند الله عز وجل: صاحب الكبيرة الظاهرة الذي يأسف، ويتألم منها، ويعتذر على فعلها، ويدعو الله أن يعينه عليها، ويحاول أن يتغلب عليها، أو ذلك صاحب الكبيرة الباطنة الذي لا يفطن لها، ولا يأبه بها؛ لأنه يرى أنه ملتزم، فهو يحق له أن يتكلم في أعراض الناس كما يشاء، وأن يحسد، أو يغل قلبه أو ما أشبه ذلك.