يقول شيخ الإسلام: (وفي هذا الحديث المأثور إن كان محفوظاً) الذي أعرفه من قبل أن هذا الحديث حسن، فلنراجعه أكثر، وهذا الحديث رواه الترمذي من حديث أنس ، ورواه أيضاً ابن ماجه ، و الحاكم وصحح إسناده، ورواه الحاكم عن أبي سعيد الخدري وقال: صحيح الإسناد، فقول الشيخ هنا: إن كان محفوظاً؛ يدل على أن فيه شيئاً، فلنراجعه إن شاء الله.
وهذا الحديث هو: ( ( اللهم أحيني مسكيناً، وأمتني مسكيناً، واحشرني في زمرة المساكين ) )، فهذا الحديث لا يدل على تفضيل الفقر والمسكنة مطلقاً، وإنما يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم يكره الكبر وأهله، فالمسكين قد يكون غنياً، وقد يكون ذا مال، ولكن المهم أن يكون متواضعاً.
يقول شيخ الإسلام: (فالمساكين ضد المتكبرين، وهم الخاشعون لله، المتواضعون لعظمته، الذين لا يريدون علواً في الأرض؛ سواء كانوا أغنياء، أو فقراء).
ولهذا قد يقال عن بعض الملوك، أو بعض الأغنياء، أو بعض المترفين من أهل الدنيا: فلان مسكين، فليس معناه: أنه فقير لا مال له كما نفهم من مثل قوله تعالى: (( إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ ))[التوبة:60]، وإنما المراد: أنه متواضع لا يحب الخيلاء، ولا يحب الفخر؛ مع أنه لديه المال، وعنده المنصب، وغير ذلك.
فالمقصود إن ثبت الحديث: فإن النبي صلى الله عليه وسلم يريد أن يحيا كما يحيا هؤلاء، ويعيش كما عاشوا، ويحشر معهم؛ لأنهم الخاشعون المتواضعون المخبتون. والإخبات مأخوذ من الخبت، والخبت: هو الأرض المستوية المنبسطة. فالإخبات: هو الالتصاق بالخبْت، فكأن الإنسان متواضع إلى حد أنه ملتصق بالأرض فلا يتكبر، ولا يترفع على شيء من أوامر الله، فهؤلاء هم المخبتون الذين أخبتوا إلى ربهم، وهؤلاء يدعو النبي صلى الله عليه وسلم أن يكون منهم، وفي هذا تعليم لنا كي نحبهم، ونسعى أن نكون منهم.