يقول: (وكانوا يستوون في مقاعدهم عنده).
وأما ما يسمونه الآن: الديمقراطية فهي هذر من الكلام، وإنما يضحكون به على الشعوب، ويقولون: يدخل الناس الصغير والكبير ويكونون سواء، وهذا الكلام غير صحيح على الإطلاق، فلا تصدقوا مثل هذا الكلام، ولا تصدق أن رئيساً من دول أوروبا الغربية التي تدعي الديمقراطية؛ أنه يعامل رئيس الوزراء عنده، أو وزيراً مثل أي فقير في الشارع، فهذا مستحيل عندهم، وإذا قالوا له: سيأتيك أحد الناس؛ نظر ما هي رتبته، وما هو عمله، وإلا فلن يدخله عليه، ومع ذلك لا شك أنهم أعدل من كثير من حكام الشرق، وأقرب إلى المساواة منهم، وأما أن يدعوا أنهم هم الذين علموا العالم هذا الشيء؛ فهذا كذب وافتراء.
فالذي حقق هذا المفهوم، ولا يمكن لأحد أن يصل إليه، ولا أن يجاريه، أو ينافسه هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخلفاؤه الراشدون، فقد كانوا يجلسون في المسجد فيأتي الكبير والصغير، والغني والفقير، والرجل والمرأة ويستطيع الكل أن يصلوا إليهم، وهذا هو الذي كان حلماً في خيال الحكماء، وفي خيال الفلاسفة ، حتى إن أفلاطون في الجمهورية لم يصل إلى هذا، والذي تخيل هذا هو توماس مور في كتابه الذي سماه اليوتوبيا أي: المدينة الفاضلة، وكان توماس سفيراً لـبريطانيا عند الدولة العثمانية في القرن السابع عشر، فتخيل في اليوتوبيا : الطوبا، وهي مأخوذة من كلمة: طوبا، وكلمة: طوبا معروفة في الكتب السماوية، ونجدها في كلام النبي صلى الله عليه وسلم، ومعلومة أيضاً في كلام الأنبياء قبله.
فهم أخذوا اليوتوبيا كما يسمونه، أو الطوباوية، وهو الشيء المثالي أو الخيالي كما يعنون به هم، وهذا كان واقعاً في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فقد افترضوا أن يكون الحاكم لا يفرق بين الناس، ولا يحابي ولا يجامل، ويأتيه الفقير والصغير والكبير وكل واحد، وأنهم سواء، فهذه افتراضات خيال عندهم.
وتوماس مور كان -كما قلنا- سفيراً لـبريطانيا ، وفي بريطانيا إلى يومنا هذا لا يزال ينظر فيها إلى الأسرة المالكة عندهم، والطبقة الارستقراطية، واللوردات على أنهم شيء آخر، فعندهم مجلس العموم، ومجلس اللوردات، فأين الديمقراطية؟! واللوردات يكونون كذلك بأموالهم، فما عندهم: (( إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا ))[النساء:135]، فالغني لورد، وله قيمته، وله مكانته، ويملك الإقطاعيات وغيرها، والفقير لا قيمة له، نعم هم يكرمون الفقير بأنه لا يجوع عندهم أحد، فهذه حقيقة، فأي إنسان عندهم لا عمل له فإنه يعطى ما يكفيه من المال العام للدولة، وهذا ليس معناه أنهم يتبجحون ويقولون: إنه عندنا مثل اللورد ! فهذا مستحيل.
وأما عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعند خلفائه الراشدين فقد كان هذا موجوداً، فهذا عثمان رضي الله تعالى عنه مثلاً جالس وبجواره بلال ، وبعد أن أسلم أبو سفيان -وهو زعيم قريش- يجلس وبجانبه صهيب ، فكلهم لا فرق بينهم، فالمجلس واحد، والحال واحد.