وكل جنس من هذه الأجناس لا يجوز إطلاق القول بتفضيله على الآخر.
يعني: لا نطلق القول بأن المقيم أفضل من المسافر، ولا أن الصحيح أفضل من المريض، ولا أن يكون الإنسان أميراً، أو أن يكون مأموراً، ولا أن كونه إماماً أفضل من كونه مأموماً، لا نطلق القول بهذا.
يقول الشارح: (بل قد يكون هذا أفضل في حال، وهذا في حال، وقد يستويان في حال آخر).
فمن الناس من يكون في حال مرضه أفضل، أو في حال سفره أفضل، أو في حال كونه مأموماً أو مأموراً أفضل، وغيرهم لا، فالأحوال إذاً تختلف، فالخطأ يكون في الإطلاق، ولا بد من التقييد.
ثم أعاد الحديث الذي رواه البغوي عن أنس فيما يرويه النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه قال: ( وإن من عبادي من لا يصلحه إلا الغنى، ولو أفقرته لأفسده ذلك، وإن من عبادي من لا يصلحه إلا الفقر، ولو أغنيته لأفسده ذلك، وإن من عبادي من لا يصلحه إلا الصحة، ولو أسقمته لأفسده ذلك، وإن من عبادي من لا يصلحه إلا السقم، ولو أصححته لأفسده ذلك، إني أدبر عبادي، إني بهم خبير بصير )، وفي هذا المعنى ما يروى: ( إن الله يحمي عبده المؤمن الدنيا كما يحمي أحدكم مريضه الطعام والشراب ) -من الحمية-، ويروى في مناجاة موسى نحو هذا. ذكره أحمد في الزهد .
فهذا فيمن يضره الغنى، ويصلحه الفقر، كما في الحديث الآخر: ( نعم المال الصالح للرجل الصالح ).
فهذه حالات تعرض، فالرجل الصالح يصلح له المال الصالح، لكن إذا كان الرجل غير صالح فإن المال يفسده ويطغيه والعياذ بالله، فيكون الفقر في حقه -ومن كان مثل حاله- أفضل.