خطر الجهل واتباع الهوى
وقد كثر تنازع الناس أيهما أفضل: الفقير الصابر أو الغني الشاكر؟! وأكثر كلامهم فيها مشوب بنوع من الهوى، أو بنوع من قلة المعرفة.وهذه مشكلة، فإذا جاءك أي خلاف فأول ما تنظر إليه أن تنظر: هل هذا الخلاف معتمد على الأدلة، أو أنه مشوب بشيء من الهوى أو الجهل؟ وغالب ما يختلف فيه الناس في هذا الزمان -وفي كل زمان- مرجعه إلى هذا، والعياذ بالله، فيخالف الحق بسبب الهوى والجهل، وربما كانت لدى بعض الطوائف كلا الخصلتين الذميمتين، فيكون لديها جهل وهوى، وهؤلاء لا علاج لهم إلا أن يمن الله عليهم بالعلم والهدى.فأما صاحب الهوى؛ فلا فائدة من جداله، (( وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِهَا ))[الأنعام:25]، وأما صاحب الجهل؛ فإن شفاء العي السؤال، فإن لم يتعلم فلا تستطيع أن تقنعه، ولو أجبته بدليل وفهمه وأيقن به، ثم جاء آخر وذكر له دليلاً آخر -ولو كان في غير موضعه- ذهب أيضاً مع الآخر؛ لأنه ليس لديه من العلم ما يفهم به الدليل، ويفهم به الحجة، ويرجح به بين الحجيج والأدلة؛ ولهذا قال العلماء: إن المستفتي مذهبه مذهب المفتي، ولا يقول: أنا مذهبي كذا؛ لأنك لا تستطيع أصلاً أن تفهم ما هو مذهبه، أو تميز كلام هذا من كلام هذا.قال شيخ الإسلام: (والنزاع فيها بين الفقهاء و الصوفية ، والعامة والرؤساء وغيرهم).يعني: دخل فيها الفقهاء من جهة فقهية بحتة، وجاء الصوفية ونظروا فيها من ناحية سلوكية كما يقولون، ودخل العوام والكبراء أيضاً، وأصبحت مجالاً لأن يخوض فيها كل أحد، وإن كانت ثمرتها العملية لدى كثير منهم قليلة.ثم ذكر أن القاضي أبا يعلى ذكر فيها روايتين عن الإمام أحمد، ثم قال: (والقول الأول يميل إليه كثير من أهل المعرفة، والفقه، والصلاح من الصوفية والفقراء، ويحكى هذا القول عن الجنيد وغيره.والقول الثاني يرجحه طائفة منهم، كـأبي العباس بن عطاء وغيره، وربما حكى بعض الناس في ذلك إجماعاً، وهو غلط). يعني: أنه لا إجماع على أي من القولين.