جاهلية الولاء والتعصب الكروي
ثم جاء الشيطان ودخل من هذه الفرجة، ووسعها وعمقها، وقال: إن الناس اجتمعوا، فصاروا في المدارس سواء، وفي الوظائف سواء، وفي الأعمال سواء، ونسوا هذه الجاهليات، فأتى بجاهلية جديدة يريد أن يرسخها، وتكون قاعدة للولاء وللبراء، وللمحبة والبغضاء، ولشحن القلوب، ولإضاعة المجالس، ولتفتيت الطاقات، وتبديد الثروات، فجاءهم إبليس بجاهلية الولاء والتعصب الكروي، وهي منطلقة من هذا، فالمنتخب القومي لأي أمة يعبر عن الانتماء القومي، ودعونا هنا نتكلم عن الغرب، فإذا كانت المباراة بين الإنجليز والإيطاليين مثلاً، فإن أي إنجليزي يقابل أي إيطالي قد يدخل معه في عراك في الشارع، وقد حصل هذا كثيراً، لأن المنتخب القومي يحارب حرباً كروية المنتخب القومي الآخر.وإذا تنزلنا على مستوى الدولة الواحدة؛ وكانت المباريات بين منتخب مانشستر وفريق آخر من لندن مثلاً فإنك تجد أن كل من كان من هذه المدينة مستعد أن يتشاجر مع مشجعي الفريق الآخر، فهذا جاهلية ما لها أية قيمة، وكذلك لو نزلنا إلى مستوى المدينة الواحدة، كما نجد من الجاهليات المقيتة أن بعض المدن قد يكون فيها قسمان مثلاً؛ بسبب نهر أو جبل يفصلها، فتجد أهل هذا القسم يفخرون على أهل هذا القسم، ومن هنا يأتي الشيطان أيضاً ويجعل لهؤلاء منتخباً، ولهؤلاء منتخباً آخر، وتبدأ الجاهلية والشحناء، وتبدأ العداوات، وتبدأ الأحقاد، وقلّ أن تجد مدينة أو قرية إلا وفيها مثل هذا.فسبحان الله! كيف يتلاعب الشيطان بعقول هذه الأمم إلى هذا الحد؟! بل ينزل الأمر إلى أقل من هذا التخطيط الشيطاني الجهنمي، فتجد مثلاً قطاعاً تعليمياً وقطاعاً آخر وظيفياً أو عسكرياً، وتجد بينهما من العداوة والجاهلية الشيء الكثير، فتجد المدني يفتخر على العسكري، والعسكري يفتخر على المدني.. وهكذا، وهذا افتخار ليس له حقيقة، وإنما هو مجرد جدل، ثم يعملون دورة رياضية بين هؤلاء وهؤلاء، فتنشأ مشاكل أخرى وتترسخ العصبية أكثر.بل إنك تجد قطاع التعليم قد تفتت حتى أصبح بين المدرسة والمدرسة، بل وبين الفصلين ألف وباء من نفس السنة، فتصبح النزعة العدائية مستحكمة.