اختلاف المهن عظمة وحقارة باختلاف البلدان
وقد تكون هذه المهنة والحرفة في مجتمع ما عظيمة جداً، وفي مجتمع آخر حقيرة جداً، فما المعيار في ذلك؟ المعيار عند الناس هي الأهواء فقط، فالصناعة مثلاً أو الحدادة مهنة عظيمة جداً عند الغرب، وعند العرب يحتقرونها، وفي النهاية وصل الغربيون بالصناعة إلى ما وصلوا إليه كما نرى الآن، وتفوقوا على المسلمين في كل شيء، ولما كان المسلمون يحتقرون هذا العمل فإن حب الدنيا جعلهم في الأخير يتتبعون الصناعات، وأصبح الإنسان يفخر بأنه من رجال الصناعة وليس من رجال الزراعة، أو أنه من الموظفين، وغير ذلك، وتجد أن المصانع الكبرى التي تقوم على صناعة الحديد، أو الصلب، أو الفولاذ أو ما أشبه ذلك؛ ما هي إلا تكبير وتضخيم لتلك الصناعة البسيطة التي كان يعملها الصانع، أو الحداد في القبيلة، وكانوا يحتقرونه أشد الاحتقار، فالذي تغير هو حب الدنيا، والتبعية للغرب، وأخذ القيم من الغرب أنساهم ذلك، فهذه أهواء، فهذا التعظيم وهذا التقليل ليس من عند الله عز وجل، وإنما هي أهواء بشرية فقط، ويرتبون على ذلك -كما قلت- بطلان العقد، ولو كانت المسألة في استئناف العقد لقال البعض إنما يتعلق بالكفاءة أو عدم الكفاءة، فالمشكلة أنهم يريدون إبطال العقد بهذا الأمر، وربما اضطروا ذلك المتزوج أو المصاهر إلى أن يهاجر بعيداً في أرض الله حتى لا يراه فيها أحد؛ ما سبب ذلك: أنه خرج وشذ عن هذا العرف، وعن هذا الوضع الاجتماعي الذي ما أنزل الله به من سلطان.