تفضيل بعض شعب الطاعات على بعض
وهذه المسألة سابقة على اختلاف العلماء حول الغني والفقير، واختلافهم في أمور كثيرة -لعلنا إن شاء الله نأتي عليها- في قضايا العبادات، فالتفضيل إذا تعلق بالعبادة فالأمر ليس فيه إشكال إن شاء الله، وهو من باب تفضيل شعبة من شعب الإيمان على شعبة أخرى، أو تفضيل العاملين بشعبة على شعبة، مثل: أيهما أفضل: أهل الذكر أو أهل الجهاد؟ وأيهما أفضل: أهل التفسير أم أهل الحديث مثلاً؟ .. وهكذا.
وهذه المسائل أيضاً قد نشأت لكنها أخف؛ لأنها كلها خير، وكلها علم، وكلها من الدين والحمد لله، فأيما كان الإنسان فهو آخذ بشعبة من الخير، لكن لا يجوز له أن يفتخر بحيث يغمط الآخرين أي فضل؛ لانتمائه إلى أهل القراءة، أو انتمائة إلى أهل الحديث، فيحتقر أهل التفسير، أو الانتماء إلى اللغة العربية فيحتقر الفقهاء والمفسرين؛ لأن اللغة العربية هي الأم في نظره، أو يأتي الآخر ويقول: نحن من أهل الأصول -أصول الفقه-، فيحتقر اللغويين، ويقول: لا قيمة لهم.. فكل هذه لها طرف أحياناً قد يتصل بالجاهلية والعنصرية، لكن شكلها البارز الواضح هو ما عرفه التاريخ من الشعوبية، وهي: تعظيم الفرس على العرب كأمة، وهذه المشكلة لم تظهر ولم تعرف عند العرب -من فضل الله تبارك وتعالى كقومية- إلا في هذا العصر الذي بلغ الانحطاط فيه ذروته.