ثم نشأت أنواع أخرى من العصبيات، فظهرت الشعوبية، وقد جاء بها الفرس، والفكرة الشعوبية هي ازدراء بالعرب مطلقاً، وتفضل عليهم العجم، وكثير من الشعراء -وإن كانوا شعراء باللغة العربية، واستعربت ألسنتهم- كانوا دعاة للشعوبية، أي: لتفضيل العنصر الفارسي أو غيره من الشعوب على العنصر العربي، وكثر ذلك جداً حتى قيل: إن الجاحظ كان يميل إلى الشعوبية؛ لأن الجاحظ ذكر في كتاب الحيوان وغيره عادات العرب واستطرد في ذكر كيف كان العرب يأكلون الميتة، ويأكلون الحيوانات القذرة ويفعلون ويفعلون .. واستطال في الأعراب يذمهم، ويقدح ويطعن فيهم.
وقد كان معتزلياً، ويعد نفسه من أهل التوحيد والعدل كما بينا في الكلام عن المعتزلة ، فالنفوس -والعياذ بالله- إذا مرضت فإنها تأتي بكل بلاء، ومن أخبث أنواع الأمراض التي تصاب بها القلوب، وتصاب بها الأمم: مرض القومية، وتفريق الناس، وتحبيب الناس على غير التقوى، وجعل المعيار غير التقوى.