قال تعالى في الملائكة: ((
كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ *
وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ *
كِتَابٌ مَرْقُومٌ *
يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ)[المطففين:18-21]، الشاهد من ذكر الآية هنا: أنهم مقربون.
ثم قال الله: ((
لا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ *
دُحُورًا وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ)[الصافات:8-9]. قوله: لا يَسَّمَّعُونَ يعني الشياطين.
والملأ الأعلى هم الملائكة، بدليل أنهم الذين يُسْتَرَقُ منهم ما يقضيه الله تعالى: لأن الله سبحانه وتعالى إذا تكلم بالأمر أو الوحي يخر كل من في السماوات ويصعق، فيكون أول من يرفع رأسه جبريل عليه السلام، فيتلقى الأمر من الله سبحانه وتعالى، وكلما مر على ملأ من الملائكة: (( قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ)[سبأ:23] حتى تتناقل الملائكة ما أمر به سبحانه وتعالى ويسلمون أنه حق حتى يصل إلى ملائكة السماء الدنيا أو الملائكة الطوافين الذين بين السماء والأرض. فتصعد هذه الملائكة، وتصعد الشياطين وراءها لتسترق منها السمع.
فتسمع من الملأ الأعلى ما قضى الله تعالى به من موت أو حياة أو غيره، فيأتي هذا الشيطان فينزل به إلى وليه من الإنس كما قال تعالى عنهم: (( رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا)[الأنعام:128] إذ الإنسي يسجد للشيطان ويذبح له في الأرض، وذاك يأتيه بالأخبار التي يسترقها من الملأ الأعلى الذين هم الملائكة.
وكان ذلك قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم، ومن حكمة الله أن الكهانة كانت منتشرة في ذلك الوقت، وكان هؤلاء الكهان لهم أولياء من الجن يستمعون إلى الملأ الأعلى؛ فلما بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم وجد هؤلاء الشياطين أنهم إذا أرادوا أن يستمعوا إلى الملأ الأعلى تقذفهم الشهب، ولذلك قالوا: ((وَأَنَّا لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا))[الجن:10]، ولهذا أخذوا يطوفون الأرض، إن شيئاً ما حدث فيها، بدليل أن الكواكب تقذف من كل جهة من يسترق السمع، ولم يعودوا يستطيعون السمع؛ فلما سمعوا القرآن وأنصتوا له علموا أن هذا هو الجديد: (( فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا)[الجن:1].