فتقول وثيقة حقوق الإنسان: من حق الإنسان أن يتعلم؛ لأنهم يدعون -الغربيين- أنهم قد سيطروا، وحكموا العالم، وأن التقدم معياره هو العلم، ولا يجوز للسلطة أن تحرمه هذا الحق، وهذا بعدما تطوروا؛ ولذلك إذا تقدم أحد بشكوى: أنا لم يعلمني أبي ولا الدولة، فإنه يجب على الدولة أن تهيئ له هذا الحق. فهذا الذي يسمونه حقاً هو بالنسبة لنا لا يزال في الحضيض؛ لأن التعليم عندنا ليس حقاً، ولكنه واجب، فيجب عليك أن تتعلم، ويجب على الأمة أن تعلم أبناءها، ويجب عليك ديناً أن تتعلم أنت، فليس هذا حقاً تطالب به، وإذا لم تطالب به ليس لنا دخل فيك، وإنما يجب عليك أن تتعلم بقدر ما تحتاج إليه من العلم، أي: ما يعرفك بالله، وما يعرفك باليوم الآخر، وهو أعظم أنواع العلم. ثم أيضاً يجب عليك من علوم الدنيا بحسب الحاجة إليه، ففي ديننا كيف يمكنك أن تتعلم من غير أن تعرف الحساب؟ فلا تستطيع أن تتعلم دينك وأنت لا تجيد الحساب: الجمع والطرح والضرب والقسمة، فالفرائض وغيرها من الأمور إنما تتعلمها عن طريق هذا، فهذا داخل في الواجب الديني، وكذلك لا أستطيع أن أعرفها إلا عن طريق علم الحساب، فهذا داخل في الواجب الديني الذي افترضه الله تعالى عليك. لهذا فنحن لا نقول: إن من حق الإنسان أن يتعلم، وإنما نقول: إذا لم يتعلم الإنسان فإنه يأثم، فيجب عليه أن يتعلم بمقدار ما يحتاج إليه في دينه، والأمة في مجموعها يجب أن يكون فيها علماء يقوم بهم فرض الكفاية، وأما الأفراد فكل بحسب ما يستطيعه. وبعد هذا نفاجأ بأننا تعلمنا من الغربيين أهمية العلم، وأن الغربيين هم الذين علمونا أهمية التفكير العلمي، وكأننا كنا نعيش في مرحلة التفكير الخرافي كما يسميها الغربيون، فالذي نقلنا من التفكير الخرافي إلى التفكير العلمي هم الذين ابتعثوا منا في القرن الماضي أو قبل حين! أو الذين جاءونا من الغربيين وعلمونا على النظام والمنهج الغربي، وما عدا ذلك فتفكيرنا فيه تفكير غيبي؛ إذا لطفوا في العبارة، وإلا فإنهم يقولون: هو تفكير خرافي.