فالمقصود: أن هذا الكبر كان شيمة العرب، وكانت هناك مشاحنات، بل ربما دارت حروب طاحنة من أجل فخر ورياء كاذب يدعيه هذا على هذا، والأمثلة في ذلك كثيرة جداً، وأفاض فيها من كتب في هذا من الأدباء، أو من الشعراء، أو من تتبع الحالة الاجتماعية عند العرب، فلم تكن عند العرب طبقية، وهذه مزية لهم، فلم تكن عندهم طبقية من النوع الذي كان موجوداً عند الهنود، أو عند الفرس، أو الروم، ولكن كان لديهم هذا الفخر الجاهلي، واحتقار العبيد أو الموالي، وكان هذا ظاهراً جداً لديهم، حتى إن كبار قريش كانوا مما يأخذونه على الرسالة التي بعث بها صلى الله عليه وسلم: أن الذين اتبعوه صلى الله عليه وسلم هم العبيد أو الضعفاء، مع أن هذه سنة الله تبارك وتعالى، فقد قالها قوم نوح من قبل لنوح: (( وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ ))[هود:27]، وقررها هرقل في مقابلته مع أبي سفيان ، فهذه سنة الأنبياء: أن أول من يتبعهم هم ضعفاء الناس.
فكان كبار قريش خصوصاً وغيرهم من العرب يحتقرون العبيد أو الموالي، فكأن العرب طبقة، ومن عداهم من الموالي طبقة، وإن لم تكن بالشكل الطبقي الذي كان موجوداً عند غيرهم من الأمم، وهذه كلها أذهبها وأبطلها الله تبارك وتعالى بهذا الدين، ولو لم يكن من ذلك إلا كلمة عمر رضي الله تعالى عنه في أبي بكر رضي الله تعالى عنهما عندما وصف بلالاً ؛ فقال عمر رضي الله تعالى عنه: [أبو بكر سيدنا، وأعتق سيدنا] وهذه الكلمة لا يمكن أن يقولها أحد من بني عدي، وهي قبيلة أو فخذ عمر رضي الله تعالى عنه، ولا أحد من قريش لولا الإسلام، فمحال أن يقول أحد من قريش: إن بلالاً -العبد الحبشي- هو سيدنا.