ولنأخذ أمثلة من واقع الأمم قبل أن تعرف هذا الدين، أو قبل أن تقتبس من هذا الدين ما تظن أنها سبقت إليه غيرها من الأمم، فكيف كان حال هذه الأمم؟ أما العرب فقد كان التطاحن والتناحر والحرب الضروس تدور بين القبائل؛ من أجل هذا الفخر الكاذب، وأكثر ما تجدون في دواوين الشعر العربي في الجاهلية، ثم عاد بعضهم إليها في الإسلام؛ هو موضوع الفخر، وهو فخر كاذب، ومعه المدح، بل إن كثيراً من الشعراء لو أحصيت ديوان أحدهم لوجدت أن أكثر من الثلثين مدح وفخر؛ فخر بالقبيلة، وبأعماله، ومدح من يظن أنه أهل لهذا المدح، وأكثره أو كله كذب لا حقيقة له، وما من قبيلة -مهما كانت قليلة العدد، أو وضيعة، أو مغلوبة في معاركها- إلا وتجد من الشعراء من يطيل في المدح لها، والثناء عليها من أبنائها، أو من غيرهم، ويصفها بأنها أغنى الناس، وأكثر الناس، وأقوى الناس، وأشجع الناس، وأكرم الناس.. إلى غير ذلك مما يعلم كل من يراه أنه كذب، أو أقرب إلى الكذب. فهذا هو ما ألفه العرب، وما اعتادوا عليه، ولا يعني ذلك أنه ليس لهم فضائل، وأنه ليس لبعض القبائل مزية على الأخرى؛ لا، وحتى في واقعنا الحالي نجد أن بعض الشعوب خير من بعض، وليس هذا هو المقصود، لكن الفخر، والتعالي، والغطرسة التي تؤدي إلى الاستكبار، والانتكاس الكاذب الذي لا حقيقة له؛ هذه هي التي تنكر. فكان العرب يتفاخرون بما لا حقيقة له، ومن أعظم الأمور التي هدمها الإسلام، وأبطلها النبي صلى الله عليه وسلم هذا التفاخر، وهذا الكبر، فأكثر ما عالج النبي صلى الله عليه وسلم من أمراض القلوب: مرض الكبر، فقد عالجه صلى الله عليه وسلم بحياته العملية المتواضعة؛ التي ضرب بها أروع الأمثلة في التواضع، وعالجها بأوامره القولية، وعالجها بدعوته وبيانه للناس في مجامع عظيمة، ومشاهد كثيرة؛ ليقرر صلى الله عليه وسلم هذه الحقيقة العظيمة، حتى أصبح الناس فعلاً يقرون بهذا كما تعلمون، وهناك أمثلة على ذلك تدل قلب هذه الموازين التي كانت في الجاهلية.