المادة    
يقول ابن كثير رحمه الله: "وأما قوله تعالى: ((وَالسَّابِحَاتِ سَبْحًا))[النازعات:3]، فقال ابن مسعود: [هي الملائكة]، وروي عن علي ومجاهد وسعيد بن جبير وأبي صالح مثل ذلك، وعن مجاهد: (وَالسَّابِحَاتِ سَبْحاً): الموت". ولعل المقصود ملائكة الموت، وذلك لأنها تقبض الأرواح ثم تسبح بها، قال: "وقال قتادة: هي النجوم" ففسر قتادة رحمه الله السابحات بالنجوم مثل النازعات والناشطات، قال: "وقال عطاء بن أبي رباح: هي السفن"، وذلك لأنها تسبح في الماء، فهي مثل قوله تعالى: ((فَالْجَارِيَاتِ يُسْرًا))[الذاريات:3] والجاريات: هي السابحات.
ثم قال: "وقوله تعالى: ((فَالسَّابِقَاتِ سَبْقًا))[النازعات:4] رُوي عن علي ومسروق ومجاهد وأبي صالح والحسن البصري: يعني الملائكة"، وهو قول الأكثرين، ثم يذكر ابن كثير تعليل الحسن البصري لهذا القول، فيقول: "قال الحسن: [سبقت إلى الإيمان والتصديق به]"؛ وذلك لأن الإيمان يتنزل عن طريقهم، فإذا تكلم الله سبحانه وتعالى بالأمر فيكون أول من يسمعه هم الملائكة، ثم بعد ذلك ينقلونه إلى أهل الأرض،: ((قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ))[سبأ:23]، وليس هناك اعتراض، فالملائكة هم السابقون إلى سماع القول الحق أياً كان ذلك القول، سواء كان حكماً أو قدراً أو أمراً أو نهياً، ثم بعد ذلك ينزل الوحي إلى بني آدم، فمنهم من يؤمن ومنهم من يكفر.
قال: "وقال عطاء: هي الخيل في سبيل الله"، إذاً: عطاء رحمه الله يرى أن السابحات هي السفن، والسابقات هي الخيل التي تسبق في سبيل الله، وكأنها هي العاديات ضبحاً.
قال: "وقوله تعالى: ((فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا))[النازعات:5] قال علي ومجاهد وعطاء وأبو صالح والحسن وقتادة والربيع بن أنس والسدي: هي الملائكة. زاد الحسن: تدبر الأمر من السماء إلى الأرض، يعني بأمر ربها عز وجل، ولم يختلفوا في هذا"، أي أنه لم يرد عن السلف خلاف في أن المدبرات أمراً هي الملائكة.
إذاً: هناك اتفاق على أن المدبرات أمراً هي الملائكة، وأما النازعات، والناشطات، والسابحات، والسابقات، فالأظهر أنها الملائكة، فتكون سورة النازعات كلها -تقريباً- في الملائكة، وأحوالهم وأوصافهم.
يقول: "ولم يقطع ابن جرير بالمراد في شيء من ذلك، إلا أنه حكى في المدبرات أمراً أنها الملائكة، ولا أثبت ولا نفى" مع أن عادته في مثل هذه الأمور أن يرجح، لكنه هنا لم يرجح شيئاً؛ بل نقل في المدبرات أنها: الملائكة، وهذا هو التفسير الظاهر إن شاء الله تعالى.