يقول الشيخ رحمه الله: (فإن أصل الأصول تحقيق الإيمان بما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، فلابد من الإيمان بالله ورسوله وبما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم -وتفصيلاً لما قبله قال- فلا بد من الإيمان بأن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جميع الخلق إنسهم وجنهم، عربهم وعجمهم، علمائهم وعبادهم، ملوكهم وسوقتهم) فلا يصح إيمان أحد إلا بهذا، فالقول بأن العباد لا يدخلون تحت الاتباع وأن لهم أن يعبدوا الله كما شاءوا كفر وضلال مبين.
والقول أيضاً أن الملوك لهم أن يحكموا بما شاءوا ولا يتقيدوا بشريعة محمد صلى الله عليه وسلم -كما يقول النصارى : دع ما لقيصر لقيصر وما لله لله- كفر وضلال، فلا طريق إلى الخير والنجاح والسعادة والفلاح إلا من طريق اتباع محمد صلى الله عليه وسلم، وهذا فرض على جميع الخلق أياً كانوا، وأياً كانت درجتهم أو مرتبتهم.
يقول المؤلف رحمه الله: (وأنه لا طريق إلى الله عز وجل لأحد من الخلق إلا بمتابعته باطناً وظاهراً).
فقول الشيخ: (باطناً وظاهراً) فيه رد على الصوفية الذين يقولون: إن اتباع الشريعة واتباع النبي صلى الله عليه وسلم إنما يكون في الشريعة، أما الحقيقة فتؤخذ من الأولياء، فجعلوا الدين حقيقة وشريعة، وجعلوه ظاهراً وباطناً، فالعمل الظاهر يقولون: نأخذه من الفقهاء؛ لأنهم في العلم الظاهر يأتونك بالآيات وبالأحاديث لتعمل بها، أما العلم الباطن فيؤخذ من الأولياء وهم لا يحدثونك بالآيات والأحاديث، وإنما يقولون: حدثني قلبي عن ربي، وهذه هي المشكلة.
يقول الشيخ رحمه الله عن رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم: (حتى لو أدركه موسى وعيسى وغيرهما من الأنبياء لوجب عليهم اتباعه) والأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين كلهم كذلك، فإذا نزل عيسى عليه السلام في آخر الزمان كما يؤمن به أهل السنة والجماعة ويعتقدونه فإنه يحكم بشريعة محمد صلى الله عليه وسلم، ويصلي خلف المهدي من هذه الأمة إشعاراً بأنه متبع، فهو في العبادة لا يتعبد الله إلا بما شرع لمحمد صلى الله عليه وسلم وأمته، فلا يأتي بشرع من عنده أبداً، ولو أدركه موسى عليه السلام أو نوح أو أي نبي لما كان له طريق إلى الله إلا اتباعه، فكيف من دونه؟
ولهذا قال الشيخ: (كما قال تعالى: (( وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ ))[آل عمران:81] قال ابن عباس رضي الله عنهما: ما بعث الله نبياً إلا أخذ عليه الميثاق: لئن بعث محمد وهو حي ليؤمنن به ولينصرنه، وأمره أن يأخذ على أمته الميثاق لئن بعث محمد صلى الله عليه وسلم وهم أحياء ليؤمنن به ولينصرنه) فالنبي يأخذ الله تعالى عليه الميثاق فيقر به، ويأخذ النبي الميثاق على أمته أنه إن بعث فيهم محمد صلى الله عليه وسلم أن يؤمنوا به وينصروه.
إذاً: لا طريق للخلق إلا من طريقه.