يقول شيخ الإسلام: (فأولياء الله يوجدون في جميع أصناف الأمة، فيوجدون في أهل العلم والقرآن، ويوجد في أولياء الله من هم من أهل الذكر، والفقه، والدين، ويوجد منهم في أهل الجهاد والسيف؛ الذي شغلوا أنفسهم بالجهاد، ولا لباس لهم يتميزون به، ويوجدون في التجار، فمن التجار من لا يفارق متجره إلا إلى مسجده، أو إلى بيته، وهو من أولياء الله في بيعه وشرائه وتصدقه، وكذلك الصناع؛ فقد يكون صانعاً يصنع الآلات وينتجها ولا يفارق ذلك إلا إلى بيته، أو إلى مسجده، وهو من أولياء الله في عمله، أو الزراع، أو ما أشبه ذلك).
إذاً: فليس الأولياء فئة مخصصة من الناس، ولا يتميزون بشيء خاص بهم، فالأولياء من هذه الأمة هم المتقون، (( أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ ))[يونس:62-63]، فالمؤمنون إن كانوا عمالاً، وكانوا أطباء، أو مهندسين، أو فلاحين، أو سياسين، أو حكاماً، أو قضاة، أو علماء؛ إن كان فيهم تقوى الله، واتباع ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم فهم أولياء لله، وهذا من فضل الله وكرمه، فكيف إذا كانت الولاية ليست إلا لمن حصر نفسه وجلس في المسجد، أو قرأ أشياء معينة، ولبس ملابس معينة، فأين يذهب الآخرون؟! فلا يمكن ذلك، ورحمة الله أعظم من ذلك وأشمل.
يقول شيخ الإسلام: (وقد ذكر الله أصناف أمة محمد في قوله: (( إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ ))[المزمل:20] إلى أن قال: (( عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ ))[المزمل:20]) فقوله: (منكم) أي: من هذه الأمة القوامة المصطفاة من يضربون في الأرض -أي: تجار- يبتغون الرزق، إذاً: فالتجار قد يكونوا من هؤلاء، ((وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ))[المزمل:20]، إذاً فالمجاهدون قد يكونون من الأولياء.. وهكذا.