المادة    
ثم قال: [وقد دل الكتاب والسنة على أصناف الملائكة، وأنها موكلة بأصناف المخلوقات، وأنه سبحانه وكل بالجبال ملائكة..].
ذكر الشارح هنا بعض التفصيل في أحوال الملائكة، وقد ألف الشيخ عمر الأشقر كتاباً سماه عالم الملائكة الأبرار، وهو كتاب موجز، لم يشمل الموضوع كله، لكنه كتاب مفيد وواضح؛ لأنه يعتمد على الآيات والأحاديث، وقد نقل من شرح الطحاوية كثيراً، وكأنه فصَّل أو فسَّر بعض ما ذكره الشارح رحمه الله.
  1. الملائكة الموكلة بالجبال

    يقول الشارح: [وأنه سبحانه وكَّل بالجبال ملائكة]، وقد ذكر الشيخ الأشقر في كتابه الحديث الدال على هذا، وقد رواه البخاري وهو أن عائشة رضي الله عنها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: {يا رسول الله! هل أتى عليك يوم كان أشد من يوم أحد ؟ قال: لقد لقيت من قومك ما لقيت، وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة، إذ عرضت نفسي على ابن عبد ياليل بن كلال، فلم يجبني إلى ما أردت، فانطلقت وأنا مهموم على وجهي، فلم أستفق إلا وأنا بـقرن الثعالب، فرفعت رأسي، فإذا أنا بسحابة قد أظلتني، فنظرت فإذا فيها جبريل، فناداني فقال: إن الله قد سمع قول قومك لك، وما ردوا به عليك، وقد بعث الله إليك ملك الجبال، لتأمره بما شئت فيهم، فناداني ملك الجبال، فسلم عليَّ ثم قال: يا محمد! ذلك فيما شئت، إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله ولا يشرك به شيئاً} رواه البخاري ومسلم، وهذا من كمال شفقته ورأفته بأمته، وكما قال في الحديث الآخر: {لكل نبي دعوة مستجابة، وإني اختبأت دعوتي شفاعةً لأمتي يوم القيامة}، وبسبب هذه الشفاعة يكون لهذه الأمة يوم القيامة فضل عظيم وخير كثير، أما نوح عليه السلام فقد قال كما جاء في حديث الإسراء: {وقد كانت لي دعوة فدعوتها على قومي}، قال تعالى عنه: ((رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا))[نوح:26]، أما النبي صلى الله عليه وسلم فقد احتفظ بدعوته وادخرها شفاعة لأمته يوم القيامة، فهو: ((بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ))[التوبة:128] صلوات الله وسلامه عليه.
  2. الملائكة الموكلة بالسحاب والمطر

    قال: [ووكل بالسحاب والمطر ملائكة]، فكما أن للجبال ملائكة، فكذلك للسحاب والمطر ملائكة.
    يقول الشيخ الأشقر نقلاً عن ابن كثير في البداية والنهاية (1/50): "وميكائيل موكل بالقطر والنبات اللذين يخلق منهما الأرزاق في هذه الدار، وله أعوان يفعلون ما يأمرهم به بأمر ربه، يصرفون الرياح والسحاب كما يشاء الرب جل جلاله. وقد روينا أنه {ما من قطرة تنزل من السماء إلا ومعها ملك يقررها في موضعها من الأرض}. ومن الملائكة ما هو موكل بالسحاب، ففي سنن الترمذي عن ابن عباس أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: {الرعد ملك من ملائكة الله، موكل بالسحاب، معه مخاريق من نار، يسوق بها السحاب حيث شاء الله}، وقد يسقي بلاداً دون بلاد، أو قرية دون أخرى، وقد يؤمر بأن يسقي زرع رجل واحد دون سواه، كما في الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله تعال عنه -وهو من الأحاديث العظيمة الدالة على فضل الصدقة، وأن العبد ينال ولاية الله وكرامته بالإحسان والصدقة- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {بينا رجل بفلاة من الأرض، فسمع صوتاً في سحابة يقول: اسق حديقة فلان، فتنحى ذلك السحاب، فأفرغ ماءه في حرة -أرض مستوية صلبة- فإذا شرجة من تلك الشراج قد استوعبت ذلك الماء كله، فتتبع الماء، فإذا رجل قائم في حديقته يحول الماء بمسحاته، فقال له: يا عبد الله! ما اسمك؟ قال: فلان، للاسم الذي سمع في السحابة، فقال له: يا عبد الله! لم تسألني عن اسمي؟ قال: إني سمعت صوتاً في السحاب الذي هذا ماؤه يقول: اسق حديقة فلان. لاسمك، فما تصنع فيها؟ قال: أما إذ قلت هذا، فإني أنظر إلى ما يخرج منها، فأتصدق بثلثه، وآكل أنا وعيالي ثلثاً، وأرد فيها ثلثاً}.
    فالله سبحانه وتعالى: فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ، لا معقب لحكمه، ولا مدبر في ملكه إلا هو عز وجل.
  3. الملائكة الموكلة بالرحم

    قال المصنف: [ووكل بالرحم ملائكة تدبر أمر النطفة حتى يتم خلقها]، ويدل على ذلك حديث عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه قال: {حدثني رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق: إن أحدكم ليجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً نطفة، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يرسل إليه الملك...}، وحديث حذيفة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {إذا أتت على النطفة اثنتان وأربعون ليلة أرسل الله إليها الملك فينفخ فيها الروح } رواه مسلم، فينفخ الروح في تلك النطفة، بعد أن كانت عبارة عن مادة حية ولكن لا روح فيها، والروح هي سر الله سبحانه وتعالى، الذي جعله في ابن آدم، وميزه بها عن غيره ليكون إنساناً، وبعد نفخ الروح يؤمر بكتب أربع كلمات؛ وذلك حتى يعلم الإنسان أن كل شيء قد قضي وفرغ منه وانتهى، وقد رفعت الأقلام وجفت الصحف، فلا شيء جديد أو مستأنف أبداً، {فيؤمر بكتب أربع كلمات: رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد، فوالذي لا إله إلا هو إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة، حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار، حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها}.
    ففي هذه الأحاديث وغيرها دليل على أن الله سبحانه وتعالى جعل من الملائكة أصنافاً موكلة بالأرحام، تدبر أمر النطفة حتى يتم خلقها.
  4. الملائكة الموكلة بحفظ أعمال العباد وكتابتها

    يقول رحمه الله: "ثم وكل بالعبد ملائكة لحفظ ما يعمله وإحصائه وكتابته"، وهؤلاء هم أعظم من يجب علينا أن نؤمن بهم ونتفكر في أمرنا معهم دائماً، وهم الملائكة الذين يحفظون أعمالنا ويحصونها، وهم الكرام الكاتبون الذين وكلهم الله سبحانه وتعالى بالإنسان، والأدلة عليهم ثابتة من القرآن والسنة، فمن القرآن قوله تعالى: ((مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ))[ق:18] قيل: إن (رقيباً وعتيداً) اسمان لملكين، والظاهر أنهما صفة للكتبة، وقال تعالى: ((وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ))[الانفطار:10]* ((كِرَامًا كَاتِبِينَ))[الانفطار:11]* ((يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ))[الانفطار:12]، وغير ذلك من الأدلة الثابتة في القرآن والسنة.
    وقد سئل شيخ الإسلام رحمه الله كما في الفتاوى (4/252): "هل الملائكة الموكلون بالعبد هم الموكلون دائماً، أم كل يوم ينزل الله إليه ملكين غير أولئك؟ وهل هو موكل بالعبد ملائكة بالليل وملائكة بالنهار؟
    وقوله عز وجل: ((وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ))[الأنعام:61] فما معنى الآية؟
    فأجاب: "الحمد لله، الملائكة أصناف؛ منهم من هو موكل بالعبد دائماً، ومنهم ملائكة يتعاقبون بالليل والنهار، ويجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر؛ فيسألهم -وهو أعلم بهم- كيف تركتم عبادي؟ فيقولون: أتيناهم وهم يصلون، وتركناهم وهم يصلون. ومنهم ملائكة فضل عن كتاب الناس يتبعون مجالس الذكر.
    وأعمال العباد تجمع جملة وتفصيلاً، فترفع أعمال الليل قبل أعمال النهار، وأعمال النهار قبل أعمال الليل، وتعرض الأعمال على الله في كل يوم إثنين وخميس، فهذا كله مما جاءت به الأحاديث الصحيحة، وأما أنه في كل يوم يتبدل الملكان؛ فهذا لم يبلغنا فيه شيء. والله أعلم" أي: الملكين الموكلين بكتابة كل شيء، لا اللذين يأتيان كل يوم.
    إذاً هناك ملائكة موكلة دائمة، وملائكة متعاقبة يعقب بعضها بعضاً.
  5. كيف تكتب الملائكة الهم الذي يهمه المرء ولا يظهره ؟

    ثم سئل عن قوله صلى الله عليه وسلم: {إذا هم العبد بالحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة...} الحديث. فإذا كان الهم سراً بين العبد وبين ربه، فكيف تطلع الملائكة عليه؟
    فأجاب رحمه الله: "الحمد لله، قد روي عن سفيان بن عيينة في جواب هذه المسألة قال: [[إنه إذا همَّ بحسنة شمَّ الملك رائحة طيبة، وإذا هم بسيئة شم رائحة خبيثة]].
    وهذا أحد الأجوبة، وهو أن الملك لا يعلم وإنما يشم، فإذا هم العبد بعمل صالح شم الملك رائحة طيبة، ولعل مما يؤيد تصور بعض السلف أن للحسنات والسيئات روائح، ما أثر عن عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه أنه قال: [[لو أن للذنوب رائحة لما جالسني منكم أحد]]، وهذا من تواضعه رضي الله تعالى عنه، وفي ذلك يقول أبو العتاهية :
    أحسن الله بنـا            أن الخطايا لا تفوح
    فإذا المستور منا            بين ثوبيه فضوح
    أي: لو كانت روائح الذنوب تظهر، لما استطاع أحد أن يجالس بعض الناس، وهذا ابن مسعود يقول هذا الكلام، فكيف بأصحاب الفجور والشرك والخمور والزنا والربا؟ لكن من إحسان الله بنا أنه لم يجعل للذنوب روائح، وإلا لكان الذي يرى مستوراً بين ثوبيه مفضوحاً عند الناس، نسأل الله أن يرحمنا وأن يسترنا في الآخرة كما سترنا في الدنيا.
    قال شيخ الإسلام : "والتحقيق: أن الله قادر أن يعلم الملائكة بما في نفس العبد كيف شاء، كما هو قادر على أن يطلع بعض البشر على ما في الإنسان"، وقد أطلع النبي صلى الله عليه وسلم مثلاً على ما كان يضمر له بعض أعدائه، فالله قادر على أن يطلع من شاء على ما يشاء سبحانه وتعالى، يقول: "فإذا كان بعض البشر قد يجعل الله له من الكشف ما يعلم به أحياناً ما في قلب الإنسان، فالملك الموكل بالعبد أولى بأن يعرفه الله ذلك"، أي أن الملك أولى من الذين قد يطلعهم الله سبحانه وتعالى -كرامة منه- أن فلاناً ينوي كذا.
    قال: "وقد قيل في قوله تعالى: ((وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ))[ق:16] أن المراد به الملائكة".
    وهذه الآية يحتج بها الحلولية، ومن ينكرون علو الله تعالى، وليس لهم فيها حجة؛ لأن قوله تعالى: ((وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ))[ق:16] فيه قولان: إما أن يتعلق بما قبله، وإما أن يتعلق بما بعده، فإذا تعلق بما قبله كان المعنى: ونحن أقرب إليه بعلمنا؛ لأنه قد ذكر العلم في أول الآية، قال تعالى: "ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه"، وهذا من حيث المعنى وجيه وواضح، لكن المعنى الآخر من حيث اللغة أوجه؛ وذلك لأن الظرف يتعلق بأقرب مذكور، قال تعالى: (( وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ * إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ ))[ق:16-17]، فالظرف وهو (إذ) متعلق بـ(أقرب)، فيكون المعنى: ونحن أقرب إليه من حبل الوريد بملكينا (الملتقيان) أي: اللذين يتلقيانه.
    قال شيخ الإسلام: "والله قد جعل الملائكة تُلقي في نفس العبد الخواطر، كما قال عبد الله بن مسعود -وهذا صحيح وثابت عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه، ولو قيل: إن له حكم الرفع لكان وجيهاً: {إن للملك لمة، وإن للشيطان لمة، فلمة الملك تصديق بالحق ووعد بالخير، ولمة الشيطان تكذيب بالحق وإيعاد بالشر}"، وهذا الأثر له شاهد في قوله تعالى: ((الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ))[البقرة:268] فإن الإنسان عندما يهم بالحسنة فإن ذلك من لمة الملك، إذاً هو يعلم بالحسنة؛ لأنه هو الذي دفعه إليها وأثارها في نفسه.
    يقول: "وقد ثبت عنه في الصحيح أنه قال: {ما منكم من أحد إلا وقد وكل به قرينه من الملائكة، وقرينه من الجن. قالوا: وإياك يا رسول الله؟ قال: وأنا، إلا أن الله قد أعانني عليه، فلا يأمرني إلا بخير}" .
    وفي رواية أخرى: { إلا أن الله أعانني عليه فأسلم}، والمعنى إما أن يكون: فأسلمُ من شره، ولا يأمرني إلا بخير، أو ما ذكره بعض الشراح فقالوا: أسلمَ أي: آمن ودخل في الإسلام، ولذلك فلا يأمر إلا بالخير؛ لأنه مسلم وإن كان شيطاناً، ويكون هذا مستثنى من عموم الشياطين الذين أصل طبيعتهم الكفر، كما أن أصل طبيعة الملائكة الطاعة.
    يقول رحمه الله: "فالسيئة التي يهم بها العبد إذا كانت من إلقاء الشيطان، علم بها الشيطان"، والشيطان لا يعلم الغيب، لكنه يجري من ابن آدم مجرى الدم، وقد زين له المعصية، فعلم حينئذٍ أنه هم بها؛ ولهذا يشجعه ويحثه على فعلها، ولأنه يجري مجرى الدم، فيعلم أن الإنسان يريد أن يفعل الخير فيثبطه عنه، كما يقول له عند صلاة الفجر: نم، عليك ليل طويل، فينام حتى لا يصلي الفجر جماعة.
    وهذه هي حقيقة الصراع، لا كما يقول الشيوعيون وأمثالهم: إن الكون مبنيٌّ على الصراع الطبقي أو التضاد، وهو موجود، لكن حقيقته أنه بين الملائكة والمؤمنين أهل الحق من جهة، وبين الشياطين والفجار الذين هم حزب الشيطان من جهة أخرى، فالصراع قائم بين حزب الله وحزب الشيطان، في النفس وفي الواقع.
    هذه هي حقيقة الصراع، والنفس الإنسانية ميدان للصراع، ولذلك فصاحب النفس اللوامة، وهي التي لم تتمحض لأحدهما، إذا غلبه الشيطان واستحوذ عليه، عاد فلام نفسه، أما الفاجر صاحب النفس الأمارة بالسوء، فيكفيه شيطان واحد يأمره وينهاه، وهو في يده كالبهيمة في الحبل يجره كما يشاء، وهذا هو الذي تمحض للشيطان -عياذاً بالله- واتبع هواه، وأما صاحب النفس المطمئنة، فلا يملك الشيطان عليه إلا الوسوسة، كما قال صلى الله عليه وسلم: {الحمد لله الذي رد كيده إلى الوسوسة}.
    إذاً: الصراع قائم عند صاحب النفس الأمارة بالسوء.. يذهب فيصلي، ثم بعد ذلك يعصي الله تعالى.. يحضر حلقة من حلقات الذكر، أو يقرأ كتاباً من كتب الحق، وبعدها يقرأ مجلة خليعة، أو يتابع مسلسلاً خبيثاً.. وهكذا، فلمة للملك ولمة للشيطان، وتمده مادتان: مادة الخير ومادة الشر، فأيهما غلبت عليه فهو لها في النهاية، ومن هنا كان الواجب علينا أن نتعاهد قلوبنا وأعمالنا بتقوى الله سبحانه وتعالى، والإيمان به، وأن نستحي من هؤلاء الملائكة الكرام، وألاَّ نجعل الله سبحانه وتعالى وملائكته الكرام أهون الناظرين إلينا، فإن البعض يجعل الله تعالى عند ارتكاب المعصية أهون الناظرين إليه، وهذا من ظلم ابن آدم وجهله، أنه في حال المعصية لا يكون مستحضراً عظمة الله سبحانه وتعالى، ولم يوقر الله، ولم يقدره حق قدره في تلك اللحظة، ولهذا ففي لحظات الإيمان لا تخطر على باله تلك المعاصي، إنما تخطر عليه في لحظات الضعف، ولذلك وجب عليه أن يتعاهد نفسه وقلبه، ويتعاهد إيمانه، ولا يجعل ربه سبحانه وتعالى أهون الناظرين إليه.