ثم قال: (والمجنون في حال إفاقته إذا عبد الله عبادة مشروعة كأن يصلي ويصوم ويتصدق؛ فإنه يقبل منه ذلك، ويثاب ويؤجر عليه، فإذا غلبه الجنون فإنه يرفع عنه القلم، وكذلك لو أفاق وعمل ما يلام عليه، أو يعاقب عليه، فإنه أيضاً يستحق الذم والعقاب إما في الدنيا أو في الآخرة، فقد جعل الله لكل شيء قدراً).فهذا من الحق، فالمجنون في حال إفاقته واستقامته يكون ولياً بالمعنى العام ما دام يؤدي الفرائض، أي: من عامة المؤمنين الذين هم أولياء الله، ولو كان هذا المجنون يتعبد إذا أفاق بالنوافل بعد الفرائض فإنه يكون من أهل الولاية الخاصة، ولايته جاءت من عبادته حال إفاقته، وهذا من العدل من
شيخ الإسلام رحمه الله.وهناك حالة أخرى وهي ما يسمى: بالمتولّه، أي: أصحاب الوله أو المجاذيب، يقول الشيخ: (فعلى هذا فمن أظهر الولاية وهو لا يؤدي الفرائض، ولا يجتنب المحارم، بل قد يأتي بما يناقض ذلك؛ لم يكن لأحد أن يقول: هذا ولي لله، فإن هذا إن لم يكن مجنوناً، بل كان متولهاً من غير جنون، أو كان يغيب عقله بالجنون تارة ويفيق أخرى، وهو لا يقوم بالفرائض، بل يعتقد أنه لا يجب عليه اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم؛ فهو كافر).فأكثر ما يقوله
الصوفية : إن هذا ليس بمجنون، أي: لم يتلبس به شيطان، ولم يصرع، لكن ذلك من شدة الوله كما يزعم البعض، والوله: هو شدة المحبة، وقد قلنا: إن حقيقة العبادة هي المحبة ودرجاتها، ومن هنا قيل: إن الإله بمعنى مألوه، أي: محبوب، فهو الذي يحبه الناس إلى حد الوله، لكن المقصود هنا معنى آخر، فالوله هنا يجعل صاحبه يفقد وعيه، ويغيب عن حسه، فهذا ليس مجنوناً صرفاً، وهو أيضاً ليس عاقلاً صرفاً، فإذا ذكر الله وسبح الله فإنه يفقد صوابه، فيصاب بهذه الحالة التي تسمى: الوله، فإن كان مجنوناً أو متولهاً على أي حال: فإنه إن كان في حال إفاقته مؤمناً متقياً لله عز وجل فهو في ذلك له ولاية، وإن كان في حال إفاقته فيه كافر أو نفاق، ثم طرأ عليه الجنون؛ ففيه من الكفر والنفاق ما يعاقب عليه، وجنونه لا يحبط عنه ما حصل منه حال إفاقته، كما أن جنونه لا يحبط عمله الصالح الذي عمله حال إفاقته.إذاً: فدعاوى
الصوفية بأن الجنون علامة الولاية دعاوى باطلة.