قال: (وأما الأنبياء فلا يقبضون حتى يخيروا) أي: وهذا أخذه من عموم ما تقدم، فالأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم هم بمنزلتهم عند الله عز وجل، لا يحتاج أن يكون هذا التردد، فهم يحبون لقاء الله ومشتاقون له، وهذه حالة غير حال بقية الخلق، إذ إن بقية الخلق يؤثرون أو يحبون الدنيا ولو نوعاً من الحب، فلا يكون ذلك في حقهم كالأنبياء.
يقول: (قال الحسن : [ لما كرهت الأنبياء الموت هون الله عليهم بلقائه ] )، إذاً فالأنبياء مثل بقية البشر في كراهية الموت، لكن هون الله عليهم بمحبته لهم بلقائه، لما أحبوه من تحفة وكرامة، حتى أن نفس أحدهم تنزع من بين جنبيه وهو يحب ذلك لما قد مُثل له.
قال: (وقالت عائشة : ( ما أغبط أحداً يهون الله عليه الموت بعد الذي رأيت من شدة موت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان عنده قدح من ماء -جاء في بعض الروايات عند البخاري وغيره: ركوة، وفي بعضها: علبة- فكان النبي صلى الله عليه وسلم يدخل يده في القدح أو في الركوة أو في العلبة، فيمسح وجهه، ويقول: اللهم أعني على سكرات الموت، لا إله إلا الله إن للموت لسكرات ) ) فأم المؤمنين عائشة قالت: [ فلا أغبط أحداً أو لا أكره شدة الموت لأحد ]. أي: لا تغبط أحداً أن الموت هان عليه وسهل، ولا تكره شدة الموت لأحد تحبه؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم وهو أحب الخلق إلى الله، وأعظمهم درجة عنده، قد عانى من سكراته.
فهي نظرت إلى هذا، وهذا من فقهها رضي الله تعالى عنها، ولذلك يقول الشيخ كما في الحديث المرسل: كان بعض السلف يستحب أن يُجهد عند الموت.