قال
الحافظ: (قال
الخطابي -هو ينقل عن
شرح البخاري للخطابي رحمه الله-: التردد في حق الله غير جائز، والبداء عليه في الأمور غير سائغ) والبداء من البدوء وهو الظهور، أي: أن يظهر ويتبين له علمٌ أو وجه مصلحة بشيء كان خافياً عنه من قبل، ولا شك أنه بهذا المفهوم أو المعنى لا يمكن أن يوصف الله عز وجل به، إذ إن الذي يصف الله عز وجل بالبداء هم
اليهود ، أما أمة الإسلام جميعاً، وكل أنبياء الله ورسله صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، الذين عرفوا الله، وقدروا الله حق قدره، وأتباعهم، فلا يقرون هذا الذي شذت به
اليهود واتبعهم بعض من ينتسب إلى الإسلام؛ فإن الله سبحانه وتعالى هو العالم العليم بكل شيء بما كان وبما سيكون، وبما لم يكن لو كان كيف يكون، فهو الذي له العلم الأزلي، فهو عليم بكل شيء قبل أن يخلق أي شيء، ثم كتب ذلك سبحانه وتعالى كما جاء في الحديث الصحيح من حديث
عمران بن حصين : (
وكتب في الذكر كل شيء.. )، وفسرته الأحاديث التي في
صحيح مسلم : (
إن الله تبارك وتعالى كتب كل شيءٍ -أي: في اللوح- قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة )، فكل ما هو واقع وكائن في هذا الوجود قد كتبه الله تبارك وتعالى قبل أن يخلق هذا الوجود بخمسين ألف سنة، والكتابة مطابقة للعلم الأزلي، فإذاً كيف يمكن أن يوصف الله تبارك وتعالى بالبداء؟! تعالى عن ذلك علواً كبيراً، لكن هل الحديث يتضمن البداء؟ لذلك نحن قلنا: إنه يؤتى مثل هؤلاء العلماء من فهمهم للحديث. يقول
الخطابي رحمه الله في الحديث: (ولكن له تأويلان: أحدهما: أن العبد قد يشرف على الهلاك في أيام عمره من داء يصيبه، وفاقة تنزل به، فيدعو الله فيشفيه منها، ويدفع عنه مكروهها، فيكون ذلك من فعله كتردد من يريد أمراً، ثم يبدو له فيه فيتركه ويعرض عنه، ولا بد له من لقائه إذا بلغ الكتاب أجله؛ لأن الله قد كتب الفناء على خلقه واستأثر بالبقاء لنفسه). أي: أن الله تبارك وتعالى إذا أحب عبداً، وأناله درجة الولاية، ثم أصاب هذا العبد مرضٌ من الأمراض، فالعبد الولي الصالح يدعو الله تبارك وتعالى، ويتضرع إليه أن يرفع عنه هذا البلاء، فيستجيب الله عز وجل له، لكنه كتب عليه الفناء والموت، يقول: فيكون هذا الشيء كأنه بداء، وكأن الله عز وجل يتردد، وكأن هذا هو التردد الذي يقع؛ لأنه كتب عليه الفناء والموت، ومن جهةٍ يريد أن يستجيب دعاءه. يقول: (والثاني: أن يكون معناه: ما رددت رسلي في شيءٍ أنا فاعله كترديدي إياهم في نفس المؤمن). فيؤول: (ما ترددت) بـ(وما رددت)، والفرق بين ترددت ورددت: أن (تردد) فعل لازم لا مفعول له، فإذا قال المتكلم: (ترددت) فيحتاج إلى فاعل مضمر فقط، ولا يحتاج إلى مفعول؛ لأنه فعل لازم، وأما (ردد) فهو فعلٌ متعد يحتاج إلى مفعول، فيجعلون ذلك وقع على الرسل، لكن هل ينجيهم هذا من المعنى المحظور؟ إن مشكلة أهل التأويل أنهم دائماً يحاولون أن يفروا من معنى يقولون: إنه يوهم التشبيه أو يوهم النقص، فيقعون أحياناً في أشد منه أو في مثله، فنفس الشيء في: (وما رددت رسلي في شيء) فلماذا يرددهم؟ فهو نفس الشيء، تردد أو ردد، لكن أهل هذا التأويل يرون أن هذا أسلم في نظرهم، فيقولون: إن المعنى: ما رددت رسلي، أي: أرسله ثم أعيده.