قال: (وخرج قوم في غزاة في سبيل الله، وكان لبعضهم حمار فمات وارتحل أصحابه، فقام فتوضأ وصلى وقال: اللهم إني خرجت مجاهداً في سبيلك، وابتغاء مرضاتك، وأشهد أنك تحيي الموتى، وتبعث من في القبور، فأحي لي حماري، فقام إلى الحمار فضربه، فقام الحمار ينفض أذنيه، فركبه ولحق أصحابه، ثم باع الحمار بعد ذلك بـالكوفة).
فهذا أيضاً رجل من الصالحين وقعت له هذه الآية، وهي كتلك الآية التي جعلها الله تبارك وتعالى للرجل: (( أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا ))[البقرة:259]، وهذا الرجل الذي مر اسمه: عزير ، والقرية: بيت المقدس بعد خرابها، ويسمونه خراب أورشليم ، فمر بها وقال: (( قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ ))[البقرة:259]، فالله تعالى يريد أن يريه أنه يحيي الموتى سبحانه وتعالى، ثم أراه كيف يحيي الموتى أمام عينه بأن أحيا له حماره، فوقع لهذا الرجل من هذه الأمة كما وقع لذلك.
قال: (وخرجت سرية في سبيل الله فأصابهم برد شديد حتى كادوا أن يهلكوا) فهؤلاء من عباد الله الصالحين خرجوا إلى الجهاد، وهم من خير الناس، ومن أقرب الناس إجابة للدعاء؛ لأنهم تجردوا عن حظوظ أنفسهم وذواتهم، وخرجوا لله عز وجل، ويريدون وجهه، ويريدون الشهادة في سبيله، فدعاؤهم من أرجى وأفضل أنواع الدعاء، وأكثره قبولاً عند الله عز وجل، فلما اشتد عليهم البرد (دعوا الله تعالى وإلى جانبهم شجرة عظيمة، فإذا هي تلتهب ناراً)، أي: أوقد الله تعالى تلك الشجرة وأشعلها ناراً، (فجففوا ثيابهم، ودفئوا بها حتى طلعت عليهم الشمس فانصرفوا، وردت الشجرة إلى هيئتها).
فهذه آية من آيات الله جعلها لعباده المؤمنين، وهذا مما يقع ولا غرابة فيه؛ لأن الله تبارك وتعالى كريم، ولأن الله عز وجل يغار على عباده المؤمنين أن يضعف إيمانهم في لحظة من اللحظات، فيفتح الله تعالى لهم من أبواب الخير، ومن أبواب الرجاء، ويعطيهم من هذه الخوارق ما يثبت به إيمانهم.