المادة    
قال المصنف رحمه الله تعالى:
[وأصول أهل السنة والجماعة تابعة لما جاء به الرسول.
وأصل الدين: الإيمان بما جاء به الرسول كما تقدم بيان ذلك، ولهذا كانت الآيتان من آخر سورة البقرة -لما تضمنتا هذا الأصل- لهما شأن عظيم ليس لغيرهما، ففي الصحيحين عن أبي مسعود عقبة بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {من قرأ الآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه}، وفي صحيح مسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: {بينا جبريل قاعد عند النبي صلى الله عليه وسلم سمع نقيضاً من فوقه، فرفع رأسه، فقال: هذا باب من السماء فتح اليوم، لم يفتح قط إلا اليوم، فنزل منه ملك، فقال: هذا ملك نزل إلى الأرض، لم ينزل قط إلا اليوم، فسلم وقال: أبشر بنورين أوتيتهما لم يؤتهما نبي قبلك: فاتحة الكتاب، وخواتيم سورة البقرة، لن تقرأ بحرف منهما إلا أوتيته} وقال أبو طالب المكي: "أركان الإيمان سبعة"، يعني هذه الخمسة، والإيمان بالقدر، والإيمان بالجنة والنار. وهذا حق، والأدلة عليه ثابتة محكمة قطعية، وقد تقدم الإشارة إلى دليل التوحيد والرسالة. ]
اهـ.
  1. ذكر الأصول الخمسة فيما أنزل على النبي من القرآن

    الشرح:
    يعود المصنف رحمه الله ليقرر قول أهل السنة والجماعة وأصول الدين عندهم، فيقول رحمه الله: [وأصول أهل السنة والجماعة تابعة لما جاء به الرسول] أي أن أصول أهل السنة والجماعة مخالفة لما عليه المعتزلة والرافضة وقبلهم الفلاسفة والباطنية وغيرهم من أهل الضلال كما قد بينا ذلك فيها سبق.
    إن أصول الدين عند أهل السنة والجماعة تابعة لما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، فليس هناك أصل من أصول الدين لم يأت به الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا يجوز في مذهب أهل السنة والجماعة أن يأتي أحد بأمر من الأمور من عند نفسه، ويقول: هذا أصل من أصول الدين، ويدعو إليه ويوالي ويعادي فيه، وهذا أمر معلوم قد سبق إيضاحه، وفاعل هذا يسمى: مبتدعاً ضالاً، وقد يكون كافراً، كما هو مقرر.
    يقول الشارح: [وأصل الدين: الإيمان بما جاء به الرسول كما تقدم بيان ذلك] -أي: عند قول الإمام الطحاوي رحمه الله: [ونؤمن بالملائكة والنبيين، والكتب المنزلة على المرسلين، ونشهد أنهم كانوا على الحق المبين].
    قال المصنف: [وهذه الأمور من أركان الإيمان، قال تعالى: ((آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ))[البقرة:285]] إلى أن قال: [فجعل الله سبحانه وتعالى الإيمان هو الإيمان بهذه الجملة، وسمى من آمن بهذه الجملة مؤمنين]؛ كما جعل الكافر من كفر بهذه الجملة؛ بقوله: ((وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا بَعِيدًا))[النساء:136].
  2. بيان تفرع الأصول الخمسة عن الإيمان بما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم

    وهذه الأركان الخمسة يضاف إليها ركن سادس -كما في حديث جبريل- هو: الإيمان بالقدر، ولم يذكر الإيمان بالقدر فيما ذكرنا من الآيتين في سورتي النساء والبقرة؛ لكنه داخل في الإيمان بالله أي: من جهة أن العلم علمه، والمشيئة مشيئته، والكتابة كتابته، والخلق خلقه، وهذه هي مراتب القدر الأربع: (العلم، والكتابة، والمشيئة، والخلق). والمقصود أن القدر من أصول الإيمان.
    ويمكن أن نرجع أصول الدين عند أهل السنة والجماعة إلى أصل واحد، وهو الإيمان بما جاء به الرسول.
    فإذا جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: آمنت بك رسولاً، وصدقت واتبعت؛ فيكون هذا الرجل قد أعلن إيمانه بأصل الدين الذي يتفرع منه غيره من الأصول، أي أن الإيمان بما جاء به الرسول يعني الدخول في أركان الإيمان كلها؛ لأن ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم هو شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت، وهو أيضاً يعني: الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، والقدر خيره وشره، وهو العمل بجميع الطاعات، وترك جميع المحرمات.
    إذاً: الدين كله يرجع إلى ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم؛ ولذلك قال: {من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد} وقال: {من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد}، والأمر هنا هو الدين، فإذا أقر الإنسان بما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم، فقد أقر بالدين جملة.
  3. الأمور التي يحكم لصاحبها بالدخول في الإسلام

    إذا رجعنا إلى أول الكتاب عند قول الطحاوي : [نقول في توحيد الله....] نجد أن المصنف بعد أن ذكر الآيات قال: [ولهذا كان الصحيح أن أول واجب على المكلف: شهادة أن لا إله إلا الله. لا النظر، ولا القصد إلى النظر، ولا الشك]، إلى أن قال: [وهنا مسائل تكلم فيها الفقهاء: فمن صلى ولم يتكلم بالشهادتين، أو أتى بغير ذلك من خصائص الإسلام، ولم يتكلم بهما: هل يصير مسلماً أم لا؟] فالمقصود من هذا؛ بم يكون الإنسان مسلماً؟
    ثبت في السنة: أن الإنسان يكون مسلماً بأمور كثيرة، منها: أن يقول: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، ومنها: أن يقول: أسلمت، حتى جعل العلماء منها الإشارة والتي هي من أضعف الأدلة، فلو حاصر المسلمون حصناً من الحصون فأخرج الكافر يده مشيراً بعلامة التوحيد وأن الله في السماء؛ لكففنا عنهم وقبلنا منهم إيمانهم ولو لم ينطق بذلك. وكذلك لو قالها بأي لغة؛ حتى لو قال: صبأنا كما وقع مع خالد بن الوليد رضي الله تعالى عنه عندما أراد الكفار أن يسلموا فقالوا: صبأنا. وهم يعنون بذلك آمنا، فيحكم لهم ظاهراً بالإسلام. بمعنى أن أي شيء يشعر بأن الإنسان ترك الشرك ودخل في الإيمان فإنه يقبل منه ويُصدّق، ومن أعظم ذلك أن يقول الرجل: آمنت بمحمد صلى الله عليه وسلم وبما جاء به، فمعنى ذلك أنه قد آمن بالدين جملة، وأتى بأصل الدين الذي تتفرع منه الأصول الأخرى جميعاً.