المادة    
ونرجع إلى قولهم في كتاب الله سبحانه وتعالى وهو الذي بنوا عليه كفرهم وضلالهم.
يقول (ص:153): "بالرجوع إلى كتب الجعفرية نجد جدلاً حول التحريف بين معتدليهم وغلاتهم" نتعرض لهذا الأمر بإيجاز قدر المستطاع، قبل الحديث عن كتبهم بشيء من التفصيل.
يقول (ص:153): "فمن المقطوع عند جمهور المسلمين أنه ((لا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ))[يونس:64] وأن الله تعالى هو الذي تعهد بحفظ القرآن الكريم: ((إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ))[الحجر:9] ولذا هيأ له -وسيهيئ له- من يحفظه إلى يوم القيامة" والحمد لله، كما قال بعض العلماء وصدقه عليها بعض المستشرقين، قالوا: لو جمعت نسخ القرآن الموجودة الآن في الأرض جميعاً ولم يبق نسخة واحدة، وأبيدت وأعدمت -بأي شكل من الأشكال- لاستطاع المسلمون أن يكتبوا القرآن كاملاً غير منقوص كما هو في كل البلاد، فجعل الله تعالى أناجيلهم في صدورهم. وهذه ميزة عظيمة، لم يجعلها الله إلا لهذا القرآن، وفي دلائل النبوة قصة ذلك الرجل الذي كان في بغداد، فأسلم، فسئل: كيف أسلمت؟ فقال: إني أردت أن أختبر أهل الأديان، قال: فعمدت إلى التوراة، فأخذت منها نسخة فزدت وأنقصت وحرفت وبدلت، وكتبتها بخط حسن ودفعتها للوراقين، فبيعت، فما مضى حين إلا ورأيت الأحبار يقرءونها في البيع، قال: فقلت: هذا الدين باطل، ثم عمدت إلى الإنجيل، فأخذت الإنجيل فنقلته، فحرفت وبدلت وزدت ونقصت، ودفعته إلى الوراقين -أي أصحاب المكتبات- فما مضى زمن إلا ورهبانهم وقساوستهم يقرءونه في الكنائس -وقد أصدر اليهود طبعة للإنجيل قبل حوالى 15 أو 20 سنة، غيرت خمسمائة كلمة من الإنجيل تتعرض لليهود وتذمهم- قال: فجئت إلى القرآن فكتبته وزدت ونقصت، ثم دفعته إلى الوراقين، قال: فكلما أعطيته أحداً يتصفحه رماه في وجهي ورده عليّ، فحاولت مراراً حتى عرفت أنه لا يمكن تحريفه، فأيقنت أن هذا الدين حق، ودخلت في الإسلام.
ذكرها البيهقي رحمه الله في دلائل النبوة، وذكرتها شاهداً لقوله: "والذين حاولوا هدم الإسلام، وجهوا مردة شياطينهم للطعن في القرآن المجيد، ولكن هيهات! فباءوا بمرارة الفشل، وبغضب ممن علم القرآن.
ولا عجب في مسلك هؤلاء الكفار، ولكن العجب كل العجب أن نجد ممن ينتمي إلى الإسلام من يضل ضلال هؤلاء الكفار!" أي: اليهود والنصارى، يقول: "فغلاة الجعفرية عز عليهم أن يخلو القرآن الكريم من نصوص ظاهرة صريحة تؤيد عقيدتهم في الإمامة، فلم يكتفوا بالتأويلات الفاسدة -كما سنرى- بل أقدموا على جريمة مدبرة، فطعنوا في الصحابة الأكرمين، وعلى الأخص الخلفاء الراشدين الذين سبقوا الإمام علياً، وأرادوا من هذا الطعن الافتراء عليهم بأنهم غير أمناء على تنفيذ الشريعة ونقلها، وحفظ كتاب الله العزيز، ولذا انتهوا من هذا الطعن إلى أنهم اغتصبوا الخلافة، وحرفوا القرآن الكريم حتى لا يفتضح أمرهم، ولا يظهر حق علي في الخلافة والأئمة من بعده!!".
فأصل القضية أنهم يقولون: علي لم يتول الخلافة؛ لأن الخلفاء الثلاثة غصبوه هذا المنصب، وظلموه، وأخذوا الخلافة منه، ولما وجد الرافضة أن هذا لا يكفي، قالوا بما هو أعظم من ذلك، وهو أن القرآن نص على خلافته وإمامته، ولكن الراشدين الثلاثة غيروا الآيات التي في القرآن، وزادوا ونقصوا؛ ليطمسوا ما يدل على إمامته.
يقول: "ومن أشهر كتب هؤلاء الغلاة: كتاب فصل الخطاب في تحريف كتاب رب الأرباب، قال مؤلفه حسين بن محمد تقي النوري الطبرسي في صفحة (2): هذا كتاب لطيف وسفر شريف، عملته في إثبات تحريف القرآن، وفضايح أهل الجور والعدوان". والكتاب مطبوع، وهو موجود في مكتبة الحرم، ومكتبة جامعة أم القرى، ومكتبة دار الحديث، وعندي نسخة منه أيضاً، وليس كتاباً قديماً؛ لأن صاحبه ولد سنة 1254هـ وتوفي سنة 1320هـ فهو في القرن الرابع عشر!
يقول: "وذكر روايات كثيرة تفيد التحريف، منها: لما انتقل سيد البشر محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم من دار الفناء، وفعل صنما قريش -يقصدون بهما: أبا بكر وعمر - ما فعلا من غصب الخلافة الظاهرية، جمع أمير المؤمنين عليه السلام القرآن كله، ووضعه في إزار، وأتى به إليهم وهم في المسجد، فقال لهم: هذا كتاب الله سبحانه، أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أعرضه عليكم لقيام الحجة عليكم يوم العرض بين يدي الله تعالى، فقال فرعون هذه الأمة ونمرودها -يقصدون: أبا بكر وعمر -: لسنا محتاجين إلى قرآنك .. فنادى ابن أبي قحافة بالمسلمين، وقال لهم: كل من عنده قرآن من آية أو سورة فليأت بها، فجاءه أبو عبيدة بن الجراح وعثمان وسعد بن أبي وقاص ومعاوية بن أبي سفيان وعبد الرحمن بن عوف وطلحة بن عبيد الله وأبو سعيد الخدري وحسان بن ثابت، وجماعات المسلمين، وجمعوا هذا القرآن، وأسقطوا ما كان فيه من المثالب التي صدرت عنهم بعد وفاة سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم، فلذا ترى الآيات غير مرتبطة!! والقرآن الذي جمعه أمير المؤمنين عليه السلام بخطه محفوظ عند صاحب الأمر عجل الله فرجه، فيه كل شيء حتى أرش الخدش "وصاحب الأمر عندهم هو القائم المهدي المنتظر الموجود في السرداب، فالقرآن الحق مخفي عند مهدي الرافضة، لا يتعبد به ولا يحكم به بين الناس! ولو سألت اليهودي عن التوراة لقال لك: ما في هذه التوراة هو الحق وأنا أتعبد الله بها، فهو يتمسك بها رغم علمنا نحن أنها محرفة فهي عنده شيء حقيقي ملموس، وكذلك النصراني يتمسك بالإنجيل -وإن كان محرفاً- ويتعبد الله به، أما هؤلاء فلا عقول لهم، حيث يتعبدون بشيء غير موجود أصلاً، فيقولون: القرآن الحقيقي غير موجود، والله عز وجل أنزل القرآن والرسول صلى الله عليه وسلم حي، فلما مات نسخ وبدل، فـعلي أدخله في الإزار وتركه إلى عام 261هـ ليذهب في السرداب، فهل هذا يليق بالله -عز وجل- ثم بالصحابة؟! فأين جهد النبي صلى الله عليه وسلم؟! وأين تزكيته وتربيته لهم؟! ثم تجدهم يقولون: نحن الآن نتعبد بهذا القرآن ونقرأه؛ لأن القرآن الحقيقي مفقود، فإذا أخرجه المهدي تركنا هذا..!
فلو فرض أن إنساناً منهم كان يتعبد بهذا القرآن أشد العبادة، يقف عند كل حد من حدوده، يمتثل أمره ويجتنب نهيه بخشوع وامتثال، لكنه مبيت في نيته أنه إذا جاء القرآن الحق من السرداب ترك هذا، أيكون هذا مؤمناً؟! لو قال أحد: سأصلي إلى أن أبلغ من العمر ستين سنة، ثم أترك الصلاة، فهذا حكمه أنه كافر من الآن؛ لأن نيته الكفر آجلاً ولا فرق.
وكذلك لو قال شخص آخر: أومن برسالة محمد صلى الله عليه وسلم إلى عام كذا، ثم أنكرها، فيكفر من الآن؛ لأنه مبيتٌ للكفر.
فهؤلاء يصلون ويحجون ويصومون ويبكون إذا قرءوا القرآن، لكنهم مبيتو الكفر في ضمائرهم يوماً ما إذا خرج القرآن الحقيقي، فهم كفار لذلك.
ثم هل تجد يهودياً أو نصرانياً أو مجوسياً -فضلاً عن المسلمين- يستطيع أن يطعن في علي رضي الله عنه، بمثل ما طعنت فيه الشيعة؛ أن يبلغ به الجبن -على حد زعمهم- إلى حد أنه يراهم وهم يبدلون كلام الله، ويشطبون آيات ويزيدون آيات، ويأخذ الإزار بما فيه من قرآن، ثم يتولى عنهم وهو ساكت، ويتركهم ويقول: أنا أحفظ هذا القرآن لأولادي؟!
هذا لا يفعله إلا أضعف الناس، والمسلم العامي الذي لا يفقه شيئاً في الدين، لو رأى إنساناً يشطب في القرآن لضربه أو قتله، فانظر إلى كلام الشيعة كيف اتهموا علياً، وجعلوه أجبن الناس، وأكثر الناس نفاقاً، ويكون وزيراً لفرعون والنمرود ويبلغ به الحال إلى أن يزوج عمر -والذي يسمونه النمرود- ابنته، وهذا لا يفعله إلا إنسان منسلخ، ليس عنده دين.
فإذاً: لابد من أحد أمرين: إما أن علياً والصحابة كما قال هؤلاء الأفاكون، أو أن هؤلاء كذبة زنادقة، ولا يمكن عقلاً إلا ثبوت أحد الحكمين، ولا شك عندنا أن هؤلاء زنادقة كذبة، كذبوا على الصحابة وكذا على علي رضي الله تعالى عنه.
ثم يقول: " فيه كل شيء حتى أرش الخدش" أي: فيه دية الخدش، وهم بذلك يدعون أن فيه تفصيل الأحكام جميعاً.
يقول: "ومنها: ما نسب للإمام الصادق: "لو قرئ القرآن كما أنزل لألفيتمونا فيه مسمين" يقول: لو كان القرآن يقرأ كما نزل لوجدتم أسماءنا فيه، يعني: جعفر الصادق ومحمد الباقر، والكاظم إلى آخر الأئمة.
يقول: "ونقل عن صاحب كتاب بستان المذاهب قوله: بعضهم يقولون: إن عثمان أحرق المصاحف وأتلف السور التي كانت في فضل علي وأهل بيته".
والحقيقة أن عثمان رضي الله عنه أمر بإتلاف المصاحف الشاذة، وجمع الناس على المصحف الإمام، فالقراءات المنسوخة، أو الشاذة أمر بإتلافها؛ ليجتمع الناس على القراءة الصحيحة، وهي العرضة الأخيرة التي عرضها جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا من حفظ الله لكتابه، أما الشيعة فيقولون: أحرقت المصاحف التي فيها ذكر علي وإمامته، وفضائل أهل البيت، نعوذ بالله من الضلال.
يقول: "ومنها: هذه السورة، (بسم الله الرحمن الرحيم...) وذكر سورة كاملة مفتراة، ثم عقب عليها بقوله: ظاهر كلامه أنه أخذها من كتب الشيعة، ولم أجد لها أثراً فيها، غير أن الشيخ محمد بن علي بن شهر آشوب المازندراني ذكر في كتاب المثالب -على ما حكي عنه- أنهم أسقطوا من القرآن تمام سورة الولاية ولعلها هذه السورة".
هذه نماذج قليلة ذكرناها بنصها، والكتاب كله يخبط في ظلام هذا الضلال، ثم يفتري هذا على أهل البيت الأطهار، فمن أولئك الغلاة المفترون؟
يقول السالوس: "قال مؤلف الكتاب السابق -يعني فصل الخطاب:- وقوع التغيير والنقصان فيه هو مذهب الشيخ الجليل علي بن إبراهيم القمي شيخ الكليني ".
ثم بعد هذه النقولات عن مشايخهم تراهم يقولون: هذه أقوال، وهذه أباطيل الصهيونية العالمية، تفتري علينا وأنتم تصدقون، هؤلاء اليهود ينسبون إلينا ذلك حتى يفرقوا بين المسلمين. هذا كلام الشيعة، وخاصة للشباب المسلم في أمريكا وأوروبا ودول أخرى، حتى إنهم قالوا في بعض كتب الخميني أن اليهود هم الذين ألفوها، مع أنه هنا يقول بأن القول بتحريف القرآن هو مذهب الشيخ الجليل القمي، شيخ الكليني صاحب أصول الكافي.
يقول: "في تفسيره صرح بذلك في أوله، وملأ كتابه من أخباره، مع التزامه في أوله بأن لا يذكر فيه إلا مشايخه وثقاته، ومذهب تلميذه ثقة الإسلام الكليني رحمه الله على ما نسبه إليه جماعة لنقله الأخبار الكثيرة الصريحة في هذا المعنى في كتاب الحجة، خصوصاً في باب النكت والنتف من التنزيل وفي الروضة، ومن غير تعرض لردها أو تأويلها" يعني: أن الكليني في الكافي لم يؤول ولم يرد هذه النصوص الدالة على أن القرآن محرف.
يقول: "واستظهر المحقق السيد محسن الكاظمي في شرح الوافية مذهبه من الباب الذي عقده فيه وسماه: (باب أنه لم يجمع القرآن كله إلا الأئمة عليهم السلام) فإن الظاهر من طريقته أنه إنما يعقد الباب لما يرتضيه، قلت: وهو كما ذكره، فإن مذاهب القدماء تعلم غالباً من عناوين أبوابهم، وبه صرح أيضاً العلامة المجلسي في مرآة العقول، وبهذا يعلم مذهب الثقة الجليل محمد بن الحسن الصفار في كتاب البصائر من الباب الذي له أيضاً فيه، وعنوانه هكذا (باب في الأئمة أن عندهم لجميع القرآن الذي أنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم)، وهو أصرح في الدلالة مما في الكافي، ومن باب (أن الأئمة محدثون).
وهذا المذهب -أي: مذهب القول بأن القرآن محرف- صريح الثقة محمد بن إبراهيم النعماني، تلميذ الكليني، صاحب كتاب الغيبة المشهور في تفسيره الصغير الذي اقتصر فيه على ذكر أنواع الآيات وأقسامها، وهو بمنزلة الشرح لمقدمة تفسير علي بن إبراهيم، وصريح الثقة الجليل سعد بن عبد الله القمي في كتاب ناسخ القرآن ومنسوخه، كما في المجلد التاسع عشر من البحار، فإنه عقد فيه باباً ترجمته: (باب التحريف في الآيات التي هي خلاف ما أنزل الله عز وجل مما رواه مشايخنا رحمة الله عليهم من العلماء من آل محمد)" يقول السالوس: "واستمر المؤلف في ذكر القائلين بالتحريف ... إلى أن قال: ومن جميع ما ذكرناه ونقلناه بتتبعي القاصر، يمكن دعوى الشهرة العظيمة بين المتقدمين، وانحصار المخالف فيهم بأشخاص معينين يأتي ذكرهم".
إذاً: القول بأن القرآن محرف، مشهور شهرة عظيمة بين المتقدمين من الشيعة .
  1. تواتر الأخبار عند الشيعة على تحريف القرآن