وهناك فرق بين المجاز والكناية، فمثلاً قوله تعالى: ((
وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ ))[يوسف:82] فهو مجاز على قول أهل البلاغة، والصحيح الذي نرجحه نحن: أنه لا مجاز مطلقاً. وأما الكناية فمثل قول
الخنساء :
طويل العماد عظيم الرما د ساد عشيرته أمردا فالعرب إذا أرادت أن تصف أحداً بالكرم قالت: فلان كثير الرماد، أي: هو كثير الضيوف، وكثير الإكرام، ومن كثرة إكرامه وكثرة ضيوفه يطبخ كثيراً، ويوقد الحطب كثيراً، فيكثر أيضاً رماده، فهم يجعلون هذا كناية عن الكرم.وأما المجاز عند أهل المجاز فمثاله: إذا ذهبت إلى رجل كريم قلت ذهبت إلى البحر، أو: رأيت البحر، أو: أعطاني البحر.فهذان الأسلوبان كلاهما مدح، فالكناية لا يمتنع أن يكون اللفظ فيها حقيقة، فعند العرب الأوائل لو ذهبت إلى مضاربهم وخيامهم فإنك تجد الرماد الكثير، متكوم، وأما البحر فإنك ترى الرجل ولا تجد قطرة ماء ولا ملوحة ولا شيء، هذا هو المقصود فالكناية إذاً لا تمنع الحقيقة بخلاف المجاز فإنه لا يريد الحقيقة. ومثال ذلك أيضاً: لو قال أحد: إن استواء الله على العرش كناية عن سعة الملك، والعظمة والسلطان، فليس في هذا نفي للاستواء، فقد يكون استوى، وهو أيضاً واسع العظمة، فالعرش هو أعظم المخلوقات، فمن عدل
أهل السنة والجماعة أنهم يفرقون بين قول من يقول في بعض الصفات: إنها مجاز مطلقاً، وبين قول من يقول: إنها كناية، وهذا ليس موضع ذكر الصفات.والشاهد: أن
الطوفي يقول: اتفق العلماء ممن يعتد بقوله، وليس هناك اتفاق ولا أي شيء، وإنما المقصود أن المجاز غير ظاهر فهذه المسألة في الظاهر والمقصود بالظاهر.ولهذا وضع
شيخ الإسلام رحمه الله القاعدة العظيمة في كتابه
الإكليل في الظاهر والتأويل في المراد بالظاهر، فبعضهم كثيراً ما يقول: وظاهر هذا الحديث غير مراد فيقول: (إن ذات الله تعالى ليس هي يده، ولا هي بصره، ولا هي سمعه) ومعنى كلامه أن من قال لك: إن هذا هو الظاهر أنت فهمت هذا نحن ما نفهم أن هذا هو الظاهر وإنما هذا هو الظاهر في ذهنك أنت فقط، وأما العرب الخلص الفصحاء، أو من وفقهم الله لمعنى الحديث فإنهم لا يفهمون مثل هذا الظاهر الذي فهمته أنت. وإلا كما فهم
النصارى ، فقالوا: إن الله تعالى يقول (إنا نحن) قالوا: إذاً هذا يدل على ثلاثة أقل الجمع، فنقول هذا غير صحيح فأنتم فهمكم هو الضعيف لأن الرجل الواحد من العرب قد يقول عن نفسه: أنا ويقول أيضاً نحن، فما يلزم هذا.