وهذا الحديث هو في صحيح البخاري في كتاب: الرقاق، باب: التواضع، وهذا يدل على فقه الإمام البخاري رحمه الله، وهذا موجود في (ص340) من الطبعة السلفية، وذكر هناك حديثين: الحديث الأول: حديث ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم العضباء التي كانت لا تسبق، فجاءت ناقة الأعرابي وسبقتها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ( إن حقاً على الله ألا يرفع شيئاً في الدنيا إلا وضعه )، فليس هنالك شيء من الدنيا إلا ويوضع بعد الارتفاع، وهكذا من اتسع ملكه وسلطانه حتى صار شيئاً عظيماً فإنه يضعف يوماً، وكذلك من كثر ماله حتى صار يرى أنه لا أغنى منه؛ فإنه يأتي عليه يوم من الأيام وإذا به لا شيء.. وهكذا.
وقد مرت فترة من الفترات كانت فيها التجارة في العالم الإسلامي عرفت في دمشق ، و بغداد ، و القاهرة ، و قرطبة ، و تركيا تمثل (80 أو 70%) من التجارة العالمية، فأين هم الآن؟ وأين أموالهم وعقارهم وقصورهم؟ كله لا شيء.
فالمهم: أي شيء من الدنيا سواء كان في القديم أو في الحديث فإنه يذهب، وقد فسر بعض العلماء -على وجه من القول- قوله تعالى: (( كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ ))[القصص:88]: أن كل هذه الأمور هالكة إلا ما أريد به وجه الله، فهذه الدنيا كلها ذاهبة فانية زائلة، ولا يرفع الله شيئاً منها إلا وضعه.
إذاً فمعنى ذلك يا من ارتفعت وتكبرت وتجبرت تواضع؛ فإنك لا بد أن توضع يوماً ما، فالآن مثلاً شباب ونشاط وقوة؛ ويأتي بعد ذلك الضعف والهوان، والآن عندك مثلاً الحافظة القوية والذاكرة والعلم؛ ويأتي وقت من الأوقات -لو رددت إلى أرذل العمر- قد تسأل عن الفاتحة فلا تستطيع أن تقرأها، وكثير من العلماء الكبار الأجلاء في آخر عمره أصبح لا يميز في الصلاة، ولا يميز قراءة الفاتحة، وهكذا الدنيا وهكذا حال الإنسان فيها.