يقول الحافظ ابن رجب رحمه الله: (ولا يزال هذا الذي في قلوب المحبين المقربين يقوى) يعني: لا تزال المعرفة والإجلال والتعظيم لله عز وجل يقوى (حتى تمتلئ قلوبهم به، فلا يبقى في قلوبهم غيره، ولا تستطيع جوارحهم أن تنبعث إلا بموافقة ما في قلوبهم) حتى إن الإنسان منهم في منامه لا يحلم ولا يرى إلا الجنة، أو النار، أو قراءة القرآن، أو الذكر، أو الجهاد، أو العمل الصالح، فالجوارح أصبحت لا تستطيع أن تعمل إلا الخير.
وفي المقابل نجد من أسود قلبه، وطبع عليه وغلف، وتملكه الهوى والشيطان، لا تستطيع جوارحه أن تنبعث في شيء من الخير، فقد يركض ويجري الساعات الطويلة في الشهوات، وإذا قلت له: تعال صل ركعتي الفجر، أو صلاة الظهر؛ وجدها ثقيلة جداً، ولا تستطيع جوارحه أن تنبعث وأن تنطلق لتعملها، ولا يستطيع أن يستمع إلى شيء من كلام الله؛ لأن القلب إذا امتلأ بشيء فإن الجوارح لا تستطيع أن تنبعث أو تتحرك بخلافه.
فالمؤمنون الذين امتلأت قلوبهم بمحبة الله، ومعرفته، والأنس به؛ إن جاء جهاد انطلقت الجوارح، وإن كان ذكر لله عز وجل، أو أمر بمعروف ونهي عن منكر، أو ابتلاء في ذات الله؛ تحركت الجوارح، وصبرت وتحملت، وأما إذا كانت معصية فلا يستطيع أن يستمع إلى صوت فاجرة مغنية، ولا يستطيع أن يرى شيئاً مما حرم الله، ولا تستطيع يده أن تطاوعه كي يبطش بها، أو يضرب بها في غير موضع شرعي؛ لأن ذلك كله يرجع إلى القلب، ( ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإن فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب )، فالقلب إذاً هو الذي يمتلئ بهذا أو بهذا.