الابتداء بالفرائض قبل النوافل
قول ابن رجب رحمه الله تعالى: (المراد بهذا الكلام: أن من اجتهد بالتقرب إلى الله تعالى بالفرائض، ثم بالنواقل قرب إليه).فهنا قال ابن رجب: (بالفرائض، ثم بالنوافل) مع أن الحديث يقول: ( ولا يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه ) ولم يذكر الفرائض، فنقول: هذا يجب أن يكون معلوماً، فالنوافل لا تصح ولا تقبل إلا بعد أداء الفرائض؛ ولذا قال بعض العلماء: من شغله الفرض عن النفل فهو معذور، ومن شغله النفل عن الفرض فهو مغرور، فاشتغال الإنسان الأساسي ويكون بالفرائض، فهي التي قال الله فيها كما في هذا الحديث: ( وما تقرب إليَّ عبدي بشيء أحب إليَّ مما افترضته عليه )، فأي عبادة من العبادات التي يشتغل بها الإنسان عن الفرائض لو أنها أحب إلى الله عز وجل؛ لجعلها الله فرائض، لكن من حكمة الله أن جعل العباد على نوعين، وكل نوع فيه درجات متفاوتة كما ذكرنا: المقربون، والسابقون، وأصحاب اليمين، فلا يكون الإنسان من المقربين إلا إذا أتى بعمل أصحاب اليمين، وزاد عليه.فلذلك لا بد لمن يأتي بالنوافل أن يكون قد أتى بالفرائض، فمثلاً: في الصلاة أول ما يجب الاهتمام به هو الصلاة المفروضة؛ بأن يؤديها الإنسان كاملة الأركان، والواجبات، والمستحبات، أن يؤديها ما استطاع إلى ذلك في أوقاتها، وبشرائطها المعروفة، هذا هو الأصل، فمن حافظ عليها فقد جاء بالأساس والأصل؛ مع ما يدخل فيها من النوافل في شروطها، وفي مواقيتها، وفي هيئاتها، وفي أذكارها، حتى يكمل الصلاة التي هي الفريضة.ثم بعد ذلك يهتم بأداء النوافل، أي: يهتم بالفرض داخل الفرض، وما يلحقه أيضاً من نوافل، ثم يهتم بالنوافل خارج الفريضة، فيؤدي السنن الرواتب والوتر، ثم بعد ذلك ما هو أقل منها في السنية كالتطوع غير المحدود في الليل، أو في النهار.إذاً؛ لا بد أن يعلم الإنسان المؤمن العابد المتقرب إلى الله عز وجل أن الله تبارك وتعالى شرع لنا الفرائض، وهي أهم شيء، ثم ما كان آكد من السنن، ثم ما كان أقل، ثم ما كان تطوعاً مباحاً.وكذلك في أموالنا يجب علينا أن نتحرى وأن نجتهد في أداء الزكاة المفروضة، والواجبات الأخرى، فهناك واجبات غير الزكاة: كالنفقة على الوالدين، أو على من يجب عليه النفقة عليه، أو الجار إذا كان فقيراً معدماً لا يملك طعام ليلته مثلاً، أو الضيف الذي لا يملك شيئاً، وما أشبه ذلك من الحقوق الواجبة على تفصيل واختلاف فيها، فنبدأ بها، ثم بعد ذلك ما هو مؤكد السنية والاستحباب، ثم ينتهي الأمر ما كان تطوعاً.ولو أن أحداً أنفق من التطوع في سبيل الله وأخل بأداء الفريضة التي هي الزكاة، ولم يراعها؛ لكان مثل الذي يؤدي التطوع من الصلوات، ويترك الفرائض الواجبة.إذاً فالتقرب إلى الله تعالى إنما يكون بالنوافل بعد الفرائض، والنوافل تفيد الإنسان في كونها تجبر ما ينقص من الفرائض، فالفرائض هي الأساس، فإن زاد شيء فهو خير، والنافلة في لغة العرب: هي الزيادة، ولا يكون الشيء زائداً إلا على الواجب، أو على القدر المطلوب.