مصاحبة المنغصات والمكدرات لمتاع الدنيا
ثم إن متاع الدنيا لا يخلو من المنغصات، والمكدرات، والآلام، والمحن، فهذا عبد الرحمن الناصر حكم الأندلس خمسين عاماً، والأندلس كانت جميلة المنظر، حتى كان يقال لها: جنة الله في الأرض في تلك الأيام، وكانت أكثر منطقة في العالم رقياً وحضارة، لا تحلم أوروبا بذلك، وكان قريباً منها قليلاً: بغداد ، و دمشق في الشرق، وأما أوروبا فقد كانت في تخلف كبير. فقيل له: كم أيام السرور عندك وقد حكمت الأندلس خمسين عاماً؟ قال: أربعة عشر يوماً فقط!حتى إن الأربعة عشر -يوماً ليست صافية؛ ففي أثناء الأربعة عشر يوماً هذه ينام ثمانِ ساعات أو سبع ساعات، وهي ثلث اليوم، ولا بد أن ينظر إلى شيء لا يعجبه، ولا بد أن يذكر هماً من الهموم التي مرت عليه، ومشكلة وقعت له. فالمقصود: أن الدنيا متى تجردت عن ذكر الله فليست بشيء، وأما إذا كان الكدح والتعب في رضا الله، وفي طاعة الله، وفيما يقرب إلى الله؛ فهو خير، ولهذا يرغب المؤمنون في طول العمر؛ لأنهم يريدون الاستكثار من الخير ومن الطاعة ومن القربة، وأما أولئك فكما قال الله: (( إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا ))[آل عمران:178] والعياذ بالله، وأما المؤمنون فـ: ( خيركم من طال عمره، وحسن عمله )، فهو يريد أن يتقرب إلى الله أكثر.فالمقصود: أن نعرف حقارة وقلة الدنيا بالنسبة إلى الآخرة. والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.