المادة    
  1. ضرورة الإمام المعصوم لكل عصر

    يواصل الدكتور علي السالوس حكاية مذهب الرافضة الإثني عشرية، فيقول:
    "ثالثاً: لابد أن يكون في كل عصر إمام هاد يخلف النبي في وظائفه من هداية البشر، وإرشادهم إلى ما فيه الصلاح والسعادة في النشأتين، وله ما للنبي من الولاية العامة على الناس" يعني: أنه إذا كان النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم -وهي المنزلة التي أعطاها الله لنبينا محمد- فهذه المنزلة العظيمة تكون للإمام أيضاً. وعللوا ذلك بما ذكره عنهم كما يأتي: يقول: "لتدبير شئونهم ومصالحهم، وإقامة العدل بينهم، ورفع الظلم والعدوان من بينهم. وعلى هذا فالإمامة استمرار للنبوة.
  2. وجوب طاعة الأئمة الاثني عشر وكفر من رد عليهم

    رابعاً: الأئمة هم أولو الأمر الذين أمر الله تعالى بطاعتهم، وهم الشهداء على الناس، وهم أبواب الله، والسبل إليه، والأدلاء عليه. فأمرهم أمر الله تعالى، ونهيهم نهيه، وطاعتهم طاعته، ومعصيتهم معصيته، ووليهم وليه، وعدوهم عدوه، ولا يجوز الرد عليهم، والرد عليهم كالرد على الرسول، والراد على الرسول كالراد على الله تعالى، فيجب التسليم لهم، والانقياد لأمرهم، والأخذ بقولهم".
    يقول: "ولذا فـالجعفرية يعتقدون أن الأحكام الشرعية الإلهية لا تستقى إلا من نمير ماء أئمتهم، ولا يصح أخذها إلا منهم، ولا تفرغ ذمة المكلف بالرجوع إلى غيرهم، ولا يطمئن بينه وبين الله تعالى إلى أنه قد أدى ما عليه من التكاليف المفروضة إلا من طريقهم" يعني: أن من تعبد الله بما قال أبو بكر أو عمر، أو بفتوى ابن عباس، أو أحد الأئمة الأربعة؛ فإنه لم يطع الله، ولم يؤد حقه، ولن يقبل الله منه؛ لأن الله لا يقبل إلا من طريق الأئمة.
  3. النص على الأئمة وارتفاع منزلة الإمامة على النبوة

    ثم يقول: "خامساً: ما دامت الإمامة كالنبوة، فهي لا تكون إلا بالنص من الله تعالى على لسان رسوله، أو لسان الإمام المنصوب بالنص". إذاً لا تكون الإمامة إلا بالنص، ولا تكون بالاختيار، فإذا اجتمعت الأمة واختارت إماماً فلا تصح إمامته، وإنما الإمام هو المنصوص عليه من الله تعالى بواسطة النبي أو الإمام الذي قبله، فيقول الإمام: الإمام بعدي فلان.
    والروافض يجعلون الإمامة فوق النبوة، يقول صاحب كتاب: سلوني قبل أن تفقدوني : وفي الوافي (2/17): عن الصادق عليه السلام قال: "إن الله تعالى اتخذ إبراهيم عبداً قبل أن يتخذه نبياً، وإن الله اتخذه نبياً قبل أن يتخذه رسولاً، وإن الله اتخذه رسولاً قبل أن يتخذه خليلاً، وإن الله اتخذه خليلاً قبل أن يجعله إماماً، فلما جمع له الأشياء قال : ((إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا))[البقرة:124]"، فمقصود الاستدلال هنا: أن الإمامة أعلى المراتب، فقد اتخذه الله عبداً، ثم نبياً، ثم رسولاً، ثم خليلاً، ثم إماماً وهي أعلى مرتبة، فلما بلغ الرتبة العليا اتخذه إماماً، يقول: فمن عظمها في عين إبراهيم -يعني: الإمامة- ((قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ))[البقرة:124]، قال: لا يكون السفيه إمام التقي. انتهى، قال: فرتب هذه الخصال بعضها على بعض؛ لاشتمال كل لاحقة منها على سابقه مع زيادة، حتى انتهى إلى الإمامة المشتملة على جميعها، فهي أشرف المقامات وأفضلها"، فأول المراتب العبودية ثم النبوة، فالنبوة عبودية وزيادة، ثم الرسالة، فهي نبوة وزيادة، ثم الخلة وهي رسالة وزيادة، ثم الإمامة فالإمامة خلة وزيادة، فهي خلة ورسالة ونبوة وعبودية وزيادة، وبذلك يكون الإمام أعلى درجة من الخليل، والله عز وجل له خليلان: إبراهيم ومحمد عليهما الصلاة والسلام، فالإمام عندهم كالخليلين وزيادة، وهذا كثير في كلامهم.
    وهم يقرءون مثل هذا ويدرسونه، ويلبِّسون به على عوام المسلمين، لعلمهم أن أكثر أهل السنة يجهلون عقيدتهم، فيقولون: هذا الذي يقوله بعضكم عنا كذب وباطل. وتجدهم يقولون لبعضهم البعض: اكذب عليهم، فإن لم يصدقوك كلهم صدقك بعضهم. وكثير من أهل السنة جاهلون بعقيدتهم، فكيف يعرفون عقيدة غيرهم؟ مع أنهم في الدول التي فيها روافض نجد أن العداوة بين أهل السنة والروافض أزلية، فالبعض يعادي الروافض تقليداً وإرثاً، ولما يرونه فيهم من الدياثة والغدر وترك الدين والمروءة، وأشياء تنفر الناس منهم، لكنهم لا يبنون هذه العداوة على كفرهم وإلحادهم وضلالهم؛ وذلك بسبب جهل هؤلاء الذين يعادونهم بعقيدتهم، بل ومن العلماء من لا يعرف الفرق بين عقيدة أهل السنة والشيعة، ويقصد الاختلاف بين الفريقين على أن الشيعة يحبون علي بن أبي طالب أكثر منهم، وقد قال أحد الدعاة الكبار الفرق بيننا وبينهم أنهم يحبون علياً أكثر منا بشيء يسير. ولذلك عندما نعرف حقيقة مذهبهم نعرف لماذا نعاديهم، وإلا لكانت عداوتنا لهم على غير هدى، وهذا لا يجوز، والولاء والبراء لا يكون إلا لله، فلا يجوز أن نفعله إلا على بينة وبرهان.
  4. ذكر الأئمة الاثني عشر وبعض أحوالهم

    ثم يقول: "سادساً: الأئمة الإثنا عشر الذين نص عليهم الرسول -صلى الله عليه وسلم هم -: أبو الحسن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ثم الحسن بن علي، ثم الحسين بن علي، ثم علي بن الحسين زين العابدين، ثم أبو جعفر محمد الباقر، ثم جعفر بن محمد الصادق، ثم موسى الكاظم بن جعفر الصادق، ثم علي الرضا بن موسى الكاظمعلي الرضا قيل: إن المأمون كان يريد أن يتنازل له عن الخلافة- ثم أبو جعفر محمد الجواد بن علي الرضا، ثم علي الهادي بن محمد الجواد بن علي الرضا، ثم أبو محمد الحسن بن علي العسكري، وأخيراً: أبو القاسم محمد بن الحسن المهدي، وهذا الذي في السرداب، وهو الحجة في هذا العصر الذي يملأ الأرض عدلاً وقسطاً بعدما ملئت ظلماً وجوراً، قيل: ولد سنة 256هـ، وغاب غيبة صغرى سنة 260هـ، وغاب غيبة كبرى سنة 329هـ".
    والحسن العسكري لم يكن له ولد، ولكن هذا حسب زعمهم؛ لأن بعضهم يعتقد أنه قد خرج، وهم وفق عقيدتهم قالوا: لابد أن يكون الإمام ابن الإمام السابق، فلما لم يولد له شيء، وقعوا في الحرج، ولذلك ادعوا أنه غاب ودخل السرداب، فاختلف بعد ذلك فيمن يكون باباً وحاجباً بين الناس والإمام؛ ولهذا لا يكتبون كتاباً ولا يخطبون خطبة جمعة، إلا ويذكرون فيها الإمام صاحب السرداب أو الغائب المنتظر القائم، ويقولون: عجَّل الله فرجه، وسهَّل مخرجه، يقولون في علي : كرم الله وجهه، ويقولون في جعفر : جعفر عليه السلام ؛ لأن أكثر دينهم وفقههم منسوب إلى جعفر الصادق، ولذا يسمون الجعفرية .
    ونحن نخالف الشيعة في اعتقادهم في هؤلاء الأئمة، واعتقادنا في علي والحسن والحسين معلوم، وأما علي زين العابدين فقد كان رجلاً فاضلاً، من أهل السنة والجماعة، ثم كان ابنه زيد بن علي الذي هو إمام الزيدية من أهل السنة والجماعة ولم يخالفهم في شيء إلا أنه رأى الخروج على الولاة من بني أمية. وأهل السنة قالوا: الإمام الجائر يصبر عليه، ولا يخرج عليه إلا إذا تحققت المصلحة، وهذه مسألة فقهية حكمية ليست من الأصول.
    ويبدأ الإشكال من محمد الباقر وابنه جعفر الصادق، فإنهما عاشا في عهد بني أمية ولم يكن لهما من الذكر والشهرة شيء كبير، بل كانا مغمورين غير مشهورين، وقد كان في عصرهما علماء من أئمة الإسلام ذكروا وذكرت حياتهم، وتكلم عنهم، أما هذان فكانا منزويين عن الحياة العامة ومستورين، وكان لهما تحركات خفية وسرية؛ وذلك بسبب محاربة خلفاء بني العباس لهم، وقبلهم بنو أمية، ولذلك لم يذكر عنهما الشيء الكثير، وقد اختلفت فيهما الآراء فيما بعد، وبعض الآراء يمكن أن نقول عنهما: إنها كانت صدى أو أثراً لما نُقل عنها، والناقلون عنهما في الغالب رافضة، وهم كذبة.
    فلذلك اضطرب الكلام في جعفر الصادق، ولكن البعض بالغ وقال: إن جعفر الصادق كان ماسونياً -كما قال ذلك بعض المشايخ المعاصرين- وإنه كان ملحداً باطنياً، وكان يقر شيعته على ما يفعلون، فنقول: هذا غلو ومبالغة لا يقر عليها، والذي يظهر أن الذين نقلوا عنه كانوا من أكذب الناس عند أهل السنة والجماعة، وأما الرافضة فجعلوهم قسمين: قسم الكذابين مطلقاً، وقسم الثقات الصادقين، وينقلون عنهم، ولهذا لما جاء صاحب أصول الكافي نقل الروايات الصحيحة في نظره، وذلك حسب قواعد أهل الرفض في الجرح والتعديل، وفيما نقله يوجد الكفر البواح، وهو إنما نقله معتقداً أنه الصحيح، كما فعل البخاري حينما اختار الصحيح من كلام رسول الله وأسنده في الجامع الصحيح، فاختيار الكليني هو بحسب اجتهاد علماء الشيعة في الجرح والتعديل، ولكن كثيراً ممن عدلوهم هم في الحقيقة كذبة فجرة، وأحياناً لا وجود لكثير من الرواة والأشخاص.
    وعلى أية حال نقول: بالنسبة لهؤلاء الأئمة: ((تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ))[البقرة:134]، ولا يهمنا إلا ما اعتقدته الرافضة فيهم، وأما هم فالغالب عليهم البراءة من غلو الرافضة، لكن قد لا نسلِّم ببراءة الجميع من الابتداع، كاعتقادهم أنهم أولى الناس بالإمامة، أو أن علياً أفضل من غيره، فربما كان يوجد ذلك في بعضهم، والعلم عند الله تعالى، ولهم تراجم في كتب أهل العلم فليرجع إليها.