(وقال زهير البابي: [إن لله عباداً ذكروه فخرجت نفوسهم إعظاماً واشتياقاً، وقوم ذكروه فوجلت قلوبهم فرقاً -يعني: خوفاً- وهيبة، فلو حرقوا بالنار لم يجدوا مس النار، وآخرون ذكروه في الشتاء فارفضوا عرقاً من خوفه، وقوم ذكروهم فحالت ألوانهم غيراً -أي: تغيرت ألوانهم من شدة خوفهم من الله عز وجل-، وقوم ذكروه فجفت أعينهم سهراً] ).
ولذة الذكر هذه هي التي قال عنها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (ما يفعل بي أعدائي، أنا جنتي في صدري).
وقال: (إني ليمر بي حال أقول: إن كان أهل الجنة في مثل هذه الحال إنهم لفي نعيم).
أي: حال من ذكر الله، ومناجاته، ومعرفته، وهذه الحال لا يدركها، ولا تخطر إلا على بال من عرف أن أعظم ما تطمئن به القلوب هو: ذكر الله تعالى، (( أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ))[الرعد:28]، فتسكن، وترتاح، وتستقر، وتسعد، فلا قلق، ولا هلع، ولا جزع، ولا قنوط، ولا خوف كما يعتري كثير من الناس، وإنما تعتريه طمأنينة، وسكينة، وراحة، وسعادة.
وجاء عن مالك بن دينار أنه قال: [ما تلذذ المتلذذون بمثل ذكر الله]، ومما جاء في بعض الكتب السالفة: يقول الله: [معشر الصديقين! بي فافرحوا، وبذكري فتنعموا].
وفي أثر آخر قد تقدم قال: [وينيبون إلى الذكر كما تنيب النسور إلى وكورها ]، فالنسور والطيور عموماً مهما مرحت في النهار، وفي الليل فإنها تئوب وتعود إلى وكورها، فترتاح وتستقر، فهذا جزء من أثر قد تقدم ذكره، وقد رواه الإمام أحمد رحمه الله في الزهد عن عطاء بن يسار قال: قال موسى عليه السلام: ( يا رب! من هم أهلك الذين تظلهم تحت ظل عرشك؟ قال: قال: يا موسى هم البريئة أيديهم، الطاهرة قلوبهم، الذين يتحابون بجلالي، الذين إذا ذكرت ذكروا بي، وإذا ذكروا ذكرت بهم، الذين يسبغون الوضوء في المكاره، وينيبون إلى ذكري كما تنيب النسور إلى وكورها، ويكلفون بحبي كما يكلف -الكلف: شدة المحبة- الصبي بحب الناس، ويغضبون لمحارمي إذا استحلت كما يغضب النمر إذا حورب )، فمن صفاتهم أنهم مع هذه الطمأنينة الكاملة، والراحة إلى ذكر الله؛ هم أيضاً يغضبون إذا انتهكت واستحلت محارم الله كما يغضب النمر إذا حورب، والنمر معروف إذا غضب أنه أشد الحيوانات قوة، وأعظمها قفزاً وضرباً وبطشاً، فهم إذا انتهكت محارم الله عز وجل يغضبون كما يغضب النمر إذا حورب.